هلوسات خضراء
ذات حديقة، خرج من أكمام وردة خضراء، اغتسل بعطر الحقيقة كعادته كل صباح. نظر إلى الشمس، فوجدها شاحبة أكثر من ذي قبل! أثقلته فواتير كهربائها دون أن تنير له ِشيئا. نظر إليها مرة أخرى بحسرة فراشة عمياء، ضغط على زر في عين العبث وأطفأ الشمس لتستريح قليلا من فوضى السواد الساكنة في نظام الأشياء والأحياء. أما عداد النور الصدئ فقد أهداه إلى وطواط أصلع منفوخ البطن بمناسبة عيد ميلاد الظلام وأشياء أخرى تشبهه. ثم خرج من حلمه إلى أقرب مقهى في القلب، أتاه نادل ماضوي الملابس، جسده من شاي وبن دون سكر، مرتق بفونيمات لا متناهية من الآهات والأحلام، شكله النهائي يشبه التيه. سأله ماذا تشرب؟
- أريد بحرا ساخنا وقطعة واحدة فقط من الغضب.
ذهب النادل ولم يعد! ربما ضاع بين كؤوس المؤتمرات في مطبخ التاريخ النيئ أبدا! أو ربما حولوه إلى مشروب غازي بدون علامة تجارية. ظل انتظاره…فجأة، مر بجانبه كائن شبه بشري نصفه العلوي يرتدي بذلة عسكرية مطرزة بأوسمة حمراء وسوداء، وبأنياب نووية وأشياء أخرى لم يفهمها بعد…ونصفه السفلي شبه غائب! لكن على ما يبدو…له رجل يمنى مكسوة بالدولارات والقضبان والكلاب والمصفحات والمافيات والمؤسسات الدولية… ورجله اليسرى شبه عارية، تبدو عليها بقع من الحرائق والجوع والظلم والجهل والوعود والانتظار والانشطار… وتنتعل جراحا وأحلاما أزلية. نظر إليه ذلك الكائن نظرة بلا لون وبلا طعم وغاب في غابات من بالوعات «الغات» والنظام العالمي الجديد والعولمة والسلام…عليكم أيها الموتى الأحياء.
قالت له نملة حمراء، كانت تمر قرب رجله اليسرى: أن تكون أو لا تكون. كيف أكون و أنا لم أكن سوى محطات جوفاء لقطار الغياب؟ أخرج أظافره الصغيرة واقتلع بقوة صورة ذلك الكائن الشبه بشري ومزقها قلقا قلقا. وفي إحدى القطع الممزقة وجد كائنا آخر شبه حيواني يلعب بكرة الأرض مع أطفال بيضاء أشباحهم، لا يراها إلا المحترفون في صناعة اللا مرئي الذي يهندس خلايا التاريخ الوحشي للحياة. ركز جيدا على الكرة وقذف بها نحو شباك البحر الميت! إصابات وإصابات ولا يسمع أي صراخ؟!… في نومه الغبي، سألته ذبابة كئيبة: إلى متى ستستمر أوساخ العبث وأزبال البشاعة في عالمكم هذا؟
_________________
محمد الصدوقي