حتى لا يكون الإعمـــار دمـــاراً

حتى لا يكون الإعمار دمــــاراً
عبد الشافي صيام ( العسقلاني )

توقفت الحرب .. !!
ولا ندري لمن نعزو سبب توقفها .. !!
لكن إسرائيل استكملت قصفها الوحشي وقتلها وتدميرها لكل ما وصلت إليه صواريخ طائراتهـــا ودباباتهــا وبوارجهــــا وأسلحتها المحرمة دوليا .. !!
وبعد عشرين يوما يتم الإعلان عن وقف لإطلاق النار من جانب واحد ، وتنسحب القوات الإسرائيلية إلى الحدود مع قطاع غزة بعد قتال ضارٍ ومقاومة بطولية لقوى المقاومة المتواجدة على أرض قلعة الصمود في غزة الكرامة ، وصمودٍ مشرف للشعب الذي أفشل أهداف هذه الحرب المجنونة التي أعلنها قادة العدو الفاشيين . فالدم هو من أوقف الحرب .
ولن ندخل إلى بوابات المواقف والمزايدات ولا إلى حارقي بخور الادعاء بأن هذا الطرف أو ذاك هو من كان وراء إيقاف إطلاق النار .
وفي المحصلة النهائية إذا كان قتل المدنيين العزل وإحراق النساء والأطفال بالفسفور الأبيض وربما بأسلحة أخرى ما زالت مجهولة ـ لكن التحقيقات ستكشفها ـ يمثل من وجهة نظر العدو الصهيوني المقهور انتصارا ، فيمكن القول بأن جيش العدو قد انتصر .
وإذا كان الصمود العظيم وتضحيات الشعب الفلسطيني في قطاع غزة والمقاومة الباسلة المشرِّفة وتصديها لآلة الحرب الصهيونية ، وإفشال مخطط العدو في القضاء على المقاومة وتدمير الإرادة والعزيمة الفلسطينية ، واستمرار توجيه الضربات الصاروخية " العبثية "وإيقاع خسائر في صفوف الإسرائيليين يعتبر هزيمة من وجهة نظر العدو الصهيوني ، فيمكن القول بأن المقاومة هزمت حسب مقاييس طلاب السلام ، الذين أظهرت نتائج الحرب ما يدين كل مواقفهم ، ولم يتوقفوا طوال فترة العدوان عن قرع الدفوف والتباكي على الشعب ومصلحة الشعب ، ولو كانوا عقلاء لانزووا بدلا من لعب دور المثبط .
لقد آلم كل أبناء فتح المخلصين غياب الدور الفاعل لقيادة فتح وانعكاس هذا الغياب بمردوده السلبي على حركة فتح وجعل الحركة الرائدة وقائدة النضال الفلسطيني منذ انطلاقتها تتراجع إلى الوراء .
حركة فتح التي تم اختزالها بناطق رسمي هنا ومنظر أيدلوجي هناك وألقاب ورتب وصولاً إلى مراتب المستشارين السياسيين ، وكلهم كانوا ينتظرون ما وعد وصرَّح به الخواجه أولمرت والست ليفني وباراك بأننا سوف نقضي على حماس والجهاد ، فإذا بأصحاب هذا الوعد يفشلون في تحقيقه ، وهم الذين أوقفوا إطلاق النار من جانب واحد .
حركة فتح هي التي حملت لواء القضية بقادتها الكبار .. أبو عمار وأبو إياد وأبو جهاد وأبو يوسف النجار وأبو السعيد وغيرهم من كبار القادة الشهداء وخاضت كل معارك تثبيت الهوية الفلسطينية ، ووضعت القضية الفلسطينية على رأس قضايا التحرر في العالم ونقلت الحالة الفلسطينية من حالة مجموعة من اللاجئين ينتظرون الهبات والمساعدات الدولية إلى واقع شعب يناضل من أجل الحرية وتقرير المصير واستعادة حقوقه من الصهاينة المحتلين والغاصبين لأرضه ودياره . وكان امتداد الحركة ووجودها ودورها النضالي واستقطابها للجماهير التي التفت حولها واحتضنتها ليس بالكلام والبيانات والجعجعات الإعلامية لأشخاص يسكنون على شاشات الفضائيات ، وإنما بأبنائها وكوادرها الذين ناضلوا وما زالوا في خنادق الدفاع عن الثورة والشعب والقضية رغم كل محاولات تهميشهم والقفز على دورهم لصالح مشروع السلام الذي انحرف عن المسار الذي اختطه ورسمه وحدده الشهيد الرمز ياسر عرفات ودفع حياته ثمنا له .
هكذا هي فتح وهكذا ستواصل نضالها وكفاحها ، فأمام أبناء فتح مسئوليات كبيرة لاستعادة مكانة الحركة ودورها وتصحيح مسارها لأن مبادئ الحركة التي آمنا بها باقية لم تتغير تحرسها دماء آلاف الشهداء والأسرى ، وأن مرحلة التغيير وتصحيح المسار يجب أن تبدأ قبل أن يستشري الخلل القائم على أيدي من لا نعترف بشرعيتهم الحركية فهم قد تخلوا أصلا عنها لصالح مشروع أوسلو والسلام الكاذب ، ولا زالوا يجرون خلف سراب الأوهام ، فيفرحون باتصال هاتفي من رئيس لن يعطيهم غير الكلام على أنه إنجاز وطني كبير .
قبل أوباما قالها الرئيس المنصرف جورج بوش وكرر على مسامع العالم حلمه الكاذب بأن الدولة الفلسطينية سترى النور في نهاية عام 2005 وعندما زار الضفة الغربية أعلن من مقر السلطة الفلسطينية وعلى مسمع من رئيسها إلغاء حق عودة اللاجئين الفلسطينيين وأن الحل الذي يراه هو دفع تعويضات لأصحاب الحق ، وأن تحقيق حلم قيام الدولة الفلسطينية لن يرى النور في عهده .
ومن حقنــا أن نتساءل عن حلم الرئيس الجـديد لأنه كسابقيه ـ يضعوننا دائما ـ في منطقة الأحلام ويضعون عدونا في منطقة الواقع . فعملية السلام لم تشهد تعثراً وتراجعاً أكثر مما شهدته بعد استشهاد الزعيم الراحل أبو عمار ، وإسرائيل لم تشهد تحقيق توسع ونهب للأراضي الفلسطينية وتغيير الهوية الوطنية الفلسطينية لمدينة القدس أكثر مما شهدته في فترة الانبهار السلمي الذي تتغنى به أجهزة التفاوض .
كان حريا بالمتمسكين بخط التفاوض وبعد شن إسرائيل لعدوانها على قطاع غزة أن يقولوا كلمة واحدة .. بأننا نعلن للعالم أننا في حِلٍ من كل التزاماتنا مع إسرائيل ( ولا داعي أن يقولوا العدو الصهيوني ) وأنهم يقفون مع شعبهم الذي يتعرض للقتل والتدمير ، وأن خيار السلام الذي مشينا فيه أكثر من عشــرين عاما لم يحقق لشـعبنا الحد الأدنى من السلام ، وهو ليس أكثر من مضيعة للوقت الذي تستغله إسرائيل للتوسع والاستيطان . وأننا سندعو إلى مؤتمر وطني فلسطيني لتشكيل قيادة فلسطينية جديدة عبر مؤسساتنا الدستورية .
كم كان مثل هذا الموقف لو تم اتخــاذه سيكون كبيرا ووطنيا . وأنه سيصهر كل فصائل المقاومـة ويوحدها تحت شعار واحد وخلف هدف واحد وضمن موقف واحد في مواجهة مصير واحد ، ولكان هذا الموقف هو صعود وطني لرئيس السلطة ، لكن يبدو أن أصحاب صبغة الشعور وتدليك الوجنات والمستشارين المخدوعين بوهم العلاقات الدولية أعموه ليظلوا بوما وغربانا على شاشات الفضائيات يُنَظِّرونَ ويُبرِّرون .
نعلم أن الحرب كانت قاسية وغير متكافئة وأن الطائرات والصواريخ والدبابات والبوارج البحرية الإسرائيلية قتلت ودمرت الكثير ، لكن الأهم دائما في الحروب هي النتائج ، والنجاح في معالجة آثار ما بعد الحرب وكيف نتعامل معها .
فآلاف الشهداء والضحايا وآلام ما بعد الحرب على مستوى الشارع الفلسطيني وذلك الدمار والخراب يحتاج إلى وقفة مسئولة وشجاعة ، لا إلى ما نسمعه من صراع وتجاذب وإعاقة لعملية إنقاذ الناس الذين ما زالت جثث أبنائهم تحت الأنقاض ، فهؤلاء الذين ضحوا ووقفوا وقفة العز والصمود والشموخ الوطني لا يعنيهم إن كان من سيرسل الأموال وزارة المالية في سلطة رام الله أم جهة مماثلة في قطاع غزة لأن هذه تمثل الشرعية وتلك تمثل الانفصال ..
يا سلام .. دماء الناس وحاجاتهم ومعاناتهم أعز وأكرم وأهم وأقدس من سلطة أو انفصال .
شعبنا البطل بكل فئاته الذي وقف وقفة الصمود والعزة والكرامة الوطنية بهوية فلسطينية واحدة ورفع شعاره الذي لا يعرف " الفصائلية " ولا أيدلوجيات النضال ، واستطاع بصموده أن يُفشلَ هدف العدو الصهيوني لتركيعه وإذلاله وقدم تضحيات كبيرة ولا زال جرح ألمه ينزف ، هذا الشعب العظيم يستحق منا أن نبقى في حالة استنفار دائم ، ويستحق منا توحيد الموقف الفلسطيني وأن ننهي هذا الانفصال والانقسام ، وأن ننزل إلى ورشة العمل اليومي لبناء ما دمرته آلة الحرب الصهيونية جسديا ونفسيا وماديا ، فالذين تيتموا لا يعنيهم ولا يمسح من نفوسهم ألم الحزن وجرح المأساة ما يقوله فلان من رام أو علان من دمشق وغيرها ، إنما يعنيهم أن تمتد إليهم يَــدٌ يشعرون أنها تمثل هذا الوطن بكل مساحته وهذا الشعب بكل أبنائه .
ولا ينكر أحد أن قمة غزة التي عقدت في العاصمة القطرية ، والتي عقدت تحت رائحة البارود ونزف الدماء وتحت الدمار الكبير ، وأنها عقدت ضمن ولادة عسيرة وخرجت بقرارات وتوصيات في غاية الأهمية بإنشاء صندوق لإعادة إعمار ما دمرته الحرب . وكانت أول موقف عربي رسمي ـ بعد تردد مؤسف ـ يضع العرب والعالم أمام مسئولياتهم ، وما يعنينا من هذه القمة وما تلاها هي آليات العمل الطارئة والعاجلة لإنقاذ الناس ودعم صمودهم .
فالجدل الدائر الآن بأن هذه الجهة أو تلك هي الجهة المخولة باستلام أموال الإعمار يجب أن يتوقف وأطرافه أن يستريحوا ولا نريد الدخول في تفاصيل الأسباب والدوافع وشروح الشرعيات .
" فالسامر لم ينفض " والجـرح ينزف ومعاناة الألم أصعب من الألم نفسه ، وإحساسنا بمعاناة الناس وحاجاتهم يجب أن يتجرد من أي حساسية قيادية أو تنظيمية ، فالمجد لمن استشهد ، والمجد لمن جرح وأصيب ، والمجد لهؤلاء الأطفال الذين يمشون على الركام وعلى بقايا البيوت المدمرة وربما ما زالت تحتها جثث آبائهم وأهليهم ، ألا نستحي لنقول .. أنتم الموزعون أم نحن الموزعون .. !!
ونضع أمام القارئ الكريم مقتطفا من تصريحات منسوبة لأطراف فلسطينية ليشعر كم هي المأساة كبيرة .. إذ يقولون ..
( .. فقد اعلنت السلطة الوطنية انها ستتولى اعادة اعمار ما دمرته الة الحرب الإسرائيلية خلال عدوانها على قطاع غزة وذلك من خلال اليات سيتم وضعها, والاتفاق عليها بينما قالت حركة حماس انها ستشكل لجانا' ذات مصداقية ومختصة تتولى اعادة الاعمار' .
وقال وزير الخارجية الدكتور رياض المالكي في حديث لوكالة ' معا' من الكويت حيث تعقد القمة العربية الاقتصادية ' كل البرامج والاليات والخطط التي سيتم الاتفاق عليها ستمر عبر السلطة الفلسطينية فقط '.
من جانبه رفض موسى ابو مرزوق نائب رئيس المكتب السياسي لحركة حمــــاس رفضا قاطعا تولي لسلطة استقبال الاموال المخصصة لاعادة الاعمار السلطة الفلسطينية اي من اموال التبرعات لاعادة اعمار القطاع.
وتحدث ابو مرزوق عن قيام حماس بتشكيل لجنة لاعادة الاعمار داعيا الدول الى التعامل مع هذه اللجنة وفقا لاليات يختارونها 'ويجب ان لا تذهب هذه الاموال الى رام الله'. كما قال. ) .

وإسرائيل بدورها ستدخل مناقصة الكلام ، ولن يفوتها إعاقة عمليات الأعمار لتعوض جانبا مما لم تحققه بالسلاح من ضرب عزيمة الشعب وصموده بأن تطيل عمر معاناته وتعمق جرحه وآلامه .
لذا نقول على كل الجهات التي أعلنت عن تقديم المساعدات وتعهدت بإعادة الأعمار أن تباشر العمل وضمن آليات دولية دون تأخير ودون الدخول في تناقضات المواقف ، فكل دول الخير ودول الموقف مصر وقطر والسعودية والكويت وبقية الدول أن تباشر ورشة العمل ، وأن تسمو على رواسب المواقف التي ستمحوها ابتسامة طفل فقد كل أهله .. مُرَحِّبـاً يا أهلنــا .. عهداً أن نظل صامدين على هذه الأرض .. وعهداً أن نُحَـــرِّرَ الوطـــن .. فلســـــــطين .