قمـة الدوحـة .. قمـة التحدي
عبد الشافي صيام ( العسقلاني )
مؤتمر قمة الدوحة الذي ينعقد اليوم بحضور عربي وغياب عربي ، قد يكون أحد مؤتمرات القمم العربية التي ستترك بصمة بارزة في تاريخنا المعاصر ، وتشكل منعطفاً له أبعاده وتأثيراته على المستقبل العربي الغارق في سياسات أنظمة لا تملك من مصيرها شيئاً باستثناء تلك الهالة " الأباطيرية " من فخامة القصور وعبارات التبجيل ، وقواعد البروتوكول الصارمة .
ليس عيباً أن يتقاعس العرب ويترددون في حضور قمة دعا إليها أمير دولة قطر لعمل ( أي شيء ) لوقف المجزرة والمحرقة الصهيونية في قطاع غزة منذ ثلاثة أسابيع . فليست هذه أولى المذابح ولا أولى المجازر التي يتعرّض لها الشعب الفلسطيني منذ النكبة الفلسطينية ، وليس هذا هو موقف التخاذل العربي الوحيد .
لقد عبر أمير دولة قطر بتأثر واستياء بالغ دفعه إلى الاحتساب إلى الله سبحانه لحالة التردّد الرسمية العربية غير المبررة لحضور القمة ، لكنه انتصر على حالة " اللا موقف " وكرّر الدعوة لعقد القمة وأنها ما تزال قائمة وأعلن عن قرارات هامة ستتبناها القمة .
ومن بديهيات المواقف أن أي مؤتمر لا يُقيَّمُ بعدد وأهمية الحاضرين ، وإنما يُقيَّمُ بأهمية وطبيعة القرارات الصادرة عنه .
فهل ينجح أمير دولة قطر وإخوانه القادة الذين حضروا قمة الدوحة أن يعيدوا روح مؤتمر " باندونج " الذي عقد في 18 أبريل عام 1955 في مدينة باندونج الإندونيسية وضم قــادة تاريخيين كباراً ( جمال عبد الناصر ، جوزيف تيتو ، جواهر لال نهرو ، كوامي نكروما ـ سوكارنو ) والذين حفروا أسماءهم على أنصع صفحات التاريخ ، وأسسوا لإنشاء حركة عدم الانحياز .
نقول .. هل ينجح أمير دولة قطر وإخوانه ويؤسسون لـ " باندنوج عربي " يعلن ميلاد " حركة عدم الاستسلام " ؟
هذا التساؤل نطرحه لأن أجواء الأوضاع السياسية في العالم تتشابه إلى حد كبير بتلك الأجواء التي كانت سائدة في منتصف الخمسينيات . فرغم التقدم والتطور الهائل الذي شهدته مختلف ميادين الحياة المادية والصناعية شهد تراجعا وتخلفاً في الجوانب الإنسانية ، وشرّع لثقافة قرون التخلف والاستعمار وقهر الشعوب .
من هنا نقول بأن قمة الدوحة الطارئة .. أو قمة غـــزة يجب أن تكون قمة تحدٍّ حقيقي لكل المواقف الدولية المشينة وغير الإنسانية .
إننا نتساءل فقط من باب التساؤل .. !!
أين جمعيات الرفق بالحيوان الغربية مما يجري في غزة ؟
لا نسألهم تحريك ضمائرهم من أجل الإنسان ولا من أجل الأطفال والنساء ، بل نسألهم أن يتحركوا من أجل " بس " أي قط ، تشوهه القنابل الفسفورية وتمزقه القنابل العنقودية المحرمة دولياً ـ كما يدعون ـ .
وقد يأتينا الجواب بأننا جاهزون للتحرك بعد أن يتحرك حكام العرب لنجدة الإنسان . إننا في صدمة ومشفقون على بسٍّ هنا وكلبٍ هناك .
التاريخ يفتح أبوابه للقادة المشاركين في الدوحة إن أقدموا على قراراتٍ تاريخية ومصيرية تبدأ بخلع المرحلة " الساداتية " وإعلان قطع العلاقات والتعامل مع العدو الصهيوني ، ووقف كل أشكال التطبيع والتعامل المعلن وغير المعلن ، ووضع كل أوراقهم بوضوح على الطاولة دون مواربة أو ذرائع أو تبريرات كاذبة . وإعلان موقف واضح وملتزم بدعم الكفاح المسلح والمقاومة ، ووضع كل إمكاناتهم وتسخيرها لخدمة أهداف النضال الفلسطيني .
إن شــعبنا الفلسطيني الذي يخــوض أشــرف معارك الأمـة وأقدسـها يعنيه " رغيف الموقف " قبل أن يعنيه رغيف الدقيق ، وهو قادر على الصمود واحتمال كل الضغوط والصبر على ما يواجه إذا ما توفرت له جبهة مساندة وتأييد بعيدا عن شعارات ما يجب وما يكون .
القادة المجتمعون في الدوحة إن اتخذوا قرارات ترضي الشارع العربي سيعود كل واحد منهم بطلا وزعيما إلى وطنه وستحمله الجماهير على أعناقها ، وإن أضافوا قرارات جديدة لما سبق واتخذته القمم السابقة للتلميع الإعلامي ، فلن نقول أكثر مما قاله أمير دولة قطر ويردّده الشارع العربي والإسلامي " حسبنا الله ونعم الوكيل " .