"طاســـــة" وضـــايعة

" طـــــــاسة " وضــــايعة
عبد الشافي صيام ( العسقلاني )
فكَّرتُ مليـّـاً في اختيار عنوانٍ لهذا المقال قبل البدء في الكتابة وأنا أتابع ما ينشر في وسائل الإعلام ، وما تتناقله وكالات الأنباء ، وما تبثه الفضائيات حول الشأن الفلسطيني ، وتصريحات ومواقف المسئولين الفلسطينيين ، وهل هناك فعلاً موقف فلسطيني مسئول معنيٌّ بالقضية الفلسطينية كما كان الحال أيام الرئيس الراحل الأخ أبو عمَّــار رحمه الله .
فلم أجد ما يمكن تطبيقه على واقع الحال غير هذا العنوان الدارج في أقوالنا الشعبية .. " طاســـــة " وضــــــايعة .
وليسمح لي القارئ الكريم أن أشير هنا إلى هامش الديمقراطية الذي يتمتع به صاحب الرأي الفلسطيني وهو طريق لم يكن مفروشاً بالورود بل سار علية المئات إن لم يكن الآلاف ممن سلخ سوط الجلاد ظهورهم على أن يتركوا هذا الأمر فلم يتركوه ، وقد أصبح حقاً اكتسبناه بالتضحيات الكبيرة وليس مِنَّة من السلطان الحاكم بأمر سيده .
قبل أشهرٍ نشرتُ مقالاً أشرتُ فيه إلى تقصير قيادة حركة فتح وضعف قدرتها على إدارة الأزمة التي تعصف بالساحة الفلسطينية ، وطالبت من أبنـاء الحركة وكوادرهـا المخلصين ـ وهم الغالبية ـ أن يُعبِّروا عن موقف تنظيمي ضــاغط على القيادة للبدء في عملية الإصلاح التنظيمي ، وانتشال الحركة من حالة التشرذم والوهن بسبب مواقف القيادة السلبية.
وقد بلغني ـ للأسف ـ بأن ذلك المقال أغْضَبَ أحد الإخوة من أعضاء اللجنة المركزية ، والذي أحترمه وأقدِّره . ما دعاني للذهابِ لزيارته ثلاثَ مرَّات ، بغرض السلام والاطمئنان عليه وليس بهدف النقاش والتحاور ، لكن صاحبنا ـ سامحه الله ـ وعلى قاعدة ( أخذته العزة بالإثم ) ما كان منه إلاَّ الاعتذار بحجة انشغاله في اجتماعاتٍ مع قياديين من الحركة ، وبحكم طبيعة مهمته التنظيمية فإنني أصَدِّقُ ما كان يقوله لي مديرُ مكتبهِ ، وحتى لو أنني سمعتهُ بأُذنٍ ونِصفِ أُذنٍ يَطلبُ من مدير مكتبه أن يعتـَـذرَ لي ، أو حتى مـا يمكن أن نســميها ثقافــة جمـاعة أوسلو ( الزحلقة ) . فلن أمَشِّطَ شعر الحقيقة بحثاً عن "سِــيبان" المواقف .
وســنبقى على الثقافة التي تعلمنـاها من قــائدين كبيرين .. الأخ أبو إيـــــاد والأخ أبو السعيد ( رحمهما الله ) على مدى سنوات الثورة بنضالها وعطــائِها الحقيقي . فالأخـــلاق لا تتجزَّأ ولا تـَتـَلـــوَّنُ ولا يأتي عليها الزمن فتشـــيخ .
وحيال موضوع المقال .. فلا أريد اتهام أحدٍ بأنه قال " لصاحبنا " كيف تسكتون على هذا المقال ؟
فهذا "الأحــــــد" ـ للأسف ـ كثيرٌ ، وهو يمثل غالبية مسئولي المرحلة التي قـُصِدَ بها إنهــــاء وإلغــــاء مرحلة الشهيد الرمز ياســر عرفات ، ظنـَّــاً من أصحاب هذا النهج أن بإمكانهم بناء مرحلة جديدة ، وهو ما لن يكون لأن بناء المراحل الوطنية والسياسية لا يتم بالنخاسة والقفـــز على حقوق الآخــرين .
ولعل ما كتبه الأخ عدلي صادق في مقال سابق قد أتى على عين الحقيقة وأصاب كبدها ـ كما يقولون ـ ويكفي للتوضيح إذ يقول صــادق : ( يومها ، تنــافخ بعض أعضاء هذه الأطــر المترهلة عديمة الوزن والرائحة ، وهجموا علينا ، وأكدوا أنهم يؤدون واجبهم على أكمل وجه ، وظنوا أن بمقــدورهم أو أن من حقهم أن يتعاملوا معنا معاملة رب العمل مع المستخدمين ) ( انتهى الاقتباس ) .
لم يُغضبني مَوقفُ الأخ الكريم "صاحبنا" لأن ما يجمعنا ليس "عَنــْــــــــزاً" وإنما قضية بكل قداستها ، لذلك سأظلُ أحملُ له كامل المحبة والاحترام ، كما في الوقت نفسه أتفهَّم عدم إدراكهِ للمعنى الذي قصدتهُ من كتابة ذلك المقال . وأن الهدف لم يكن الإساءة لمسمى اللجنة المركزية ، بقدر ما هو الإشارة لخطورة الوضع ، وانتقاداً للخللِ في العلاقات بين أعضاء اللجنة المركزية . وأنَّ اللجنة المركزية وأعضاءها ليسوا معصومين عن الخطـــــأ .
من جانبي قرَّرتُ أن أرفعَ من درجة احترامي وتقديري ومحبتي لهذا الأخ الكريم ، وأن أضاعفَ من درجة التزامي التنظيمي نحوهُ دون إزعاجه بزيـــــــارته .
وفعلاً بدأتُ بذلكَ التوجــه .. إذ اعتذرتُ أكثرَ من مرة لصديقٍ عزيز للذهابِ لزيارة "صاحبنـــا" دونَ أن أطلِعهُ على السبب ، ودائما أعلِّلُ الأمــرَ بارتباطي بموعـــدٍ ســــابق .
هذا الموقف هو جــزءٌ من ثقافــةٍ يجب أن نُؤسِّسَ لها داخل الحركة باعتبــار أن الحــركةَ هي البوتقـةُ التي ننصهر فيها جميعــاً .. نختلف ونتفق ونتحــاور ونتحاسب .. ويتحمَّلَ كل كــادرٍ ما يَقــعُ من مَسْئوليةٍ عليـه ، وهنا يَتـَكـــــرَّسُ دور القيـــادة ، ويبــرزَ دور القـائـــد ، وتتشكل شــخصيِّةُ الزعـــامة التي لا تـُعطى بقــرارٍ خَصِّي ، ويبدو أننــا نعيش على أرض الخصيان ، بل على الأرضِ التي ينجبُ فيها الخِصــــيان .
عندما وقع انقلابُ حركة حماس لأسبابهمْ أو غيرها ، تعرَّضت الحركة ( حركة التحرير الوطني الفلسطيني ـ فتـــح) لضربةٍ موجعةٍ ومؤلمــةٍ ، وواجهتْ حركة فتح هزيمة قاسـية أفقدتها دورهــا الرئيس والقــائد وأفقدتهــا موقع إدارة العمل الفلسطيني في قطاع غــزة إلى جانب الضفة الغربية .
وأثنـاء عملية الاســتيلاءِ على الســلطة في قطاع غزة ، قتــلَ المئــاتُ من خيرة أبنـاء فتـح ، وتعرَّضَ مئــات المئــات للتنكيل والتشويه والإعــاقةِ الجسدية والاعتقـال والتعذيب .
فهل نـَمُرُّ على هذا المشهد الدامي بجرحـهِ الغائر في النفس الفتحاوية بهــذا "البـَلــــه" المرتسم على وجوه قيـادة سلطة رام الله ؟ والتي تطلُ علينا كمشهدٍ إعـــلاني على طريق ســريع لا يَعـْلـَقُ عليها إلا دخـــان عادم السيارات العابرة .
هؤلاء الإخوة من أبناء فتح ومناضليها الذين سقطوا أثناء الانقلاب وبعده ، لهم ثمنان ..
الثمن الأول .. مطلوب أن تدفعه حركة حمـــاس .
والثمن الثاني .. يجب أن تدفعه قيادة فتح باعتبارها تتحمَّل مسئوليات الحركة والقدرة على حماية أبنائها ، لا أن يُتــْـرَكوا في عراءِ الحدث ، ويتعرضون لِما تعرَّضوا له على أيدي ميلشيات حماس .
مَـنْ مِـنْ حَمَلة " بيارق رام الله " والذين يطالعنا ممثلوهم من مستشارين سياسيين وناطقين رسميين وممثلين شخصيين ، وجوقــــــة المُلَمِّعين والمطبلين ..
مَـنْ منهم وقف ليعلن مسئوليته عَمَّــا وقع في غــزة ؟
مَـنْ من قادة الحركة ومسئوليها الكبار تنحى عن مسئولياته ومن موقعه بدلا من قيادة معارك الشتائم والاتهامات ؟ وتلفيق قرارات لا تستند إلى شرعية .. مرة إطالة العمر ومرة إطالة الولاية ومرة حشو اللجنة المركزية بالبصيمة .
مَـنْ من قادة الولاية الثالثة عشر أعلن بأن المسئولية جماعية ليشعر أبناء الحركة بأن المسئولية ليست بالجعجعات الإعلامية والاتهامات الانشطارية ، وتحميل السائق جريمة القائد ؟
كم سنة نحتــاج للسير في طريق السراب من "أوسلو" إلى "أنابوليس" ؟
ألم يحن الوقت لوقفة مسئولة تعترف بأن هذا الطريق لن يوصلنا إلى شيء ؟
لماذا هذه المكابرة التي أصبحت مكشوفة ولا تحتاج إلى أدلة أو براهين على فشلها وهشاشتها وضعفها .. !!
فعلى حسابات ميزان الجزر الدلائل لا تحمل إيجابية واحدة ، وهو ما يدعونا أن نعود إلى فلسطينيتنا الحقيقية .. أن نعود إلى مؤسساتنا وإلى شرعيتنا النضالية ، والخروج من ظاهرة النعامة . فالعدو الصهيوني أكثر تمسكاً منا بـ "ملهاة التفاوض" لأنه يحقِّق مكاسب مادية على الأرض ، ونحن نحقِّق مكاسب "الجبنة السويسرية" وترديد شعار "السلام خيار استراتيجي" وكفى الله الفلسطينيين شر النضال .
أليس عيباً أن تطوى صفحة ما جرى في غزة كما طويت صفحة اغتيال الرئيس الشهيد ياسر عرفات ، ويخرج مزايدوا اللحظة الأخيرة للحديث عن مؤتمر الحركة والمطالبة بعقدهِ في رام الله وليس في الخارج لأن من يطالب بعقده في الخارج يبحث لنفسه عن مقعد في اللجنة المركزية ويخشى أن يفقد هذا المقعد لو عقد المؤتمر في عرين رام الله والمعني بهذا الكلام هو الأخ فاروق القدومي ( أبو اللطف ) أمين سر حركة فتح الشرعي والوحيد ، وكأن هذا المحلل البارع سيقف ضمن من سيحرس قاعة المؤتمر ، وأنه ليس واحداً من أصحاب لعاب اللهفة وشبق اللاهثين خلف رِجـْلِ مقعدٍ وليس مقعداً .
هل حقَّـــــاً سيعقد المؤتمر السادس لحركة فتح ؟
وإن كان سيعقد أين سيعقد ؟
ليس بين آليِّـــات عقد المؤتمر آليِّــة واحدة صحيحة ، فكثير من انتخابات المناطق التنظيمية تمَّتْ بطرق أوسلوية ملتوية ، والمناطق التنظيمية في الخارج تمَّ تلفيق الكثير منها بذات الطريقة والأسلوب ولدينا ما يثبت عدم رضا الأقاليم . ويخرج من يقول بأنه إذا لم يعقد المؤتمر قبل نهاية العام الحالي فإن فتح ستنتهي !!
والسؤال .. لماذا لم تنتهي فتح قبل عشرين عاماً مثلاً ؟ ولماذا لم تنتهي فتح قبل عامين أو ثلاثة ؟ أم أنها رائحة المؤامرة على فتح إن لم يقطف الانتهازيون ثمار المرحلة لاستكمال مخطَّط إنهاء القضية ، وكأن استمرار فتح وبقاءها مرتبط فقط باستمرار " زعيط ومعيط " .
ففتح باقية ، وفتح ستواصل نضالها وعطاءها بأبنائها الذين ضحوا وناضلوا .
شعارات كبيرة يطلقها المزايدون في الوقت الذي ندعو فيه أن يرتفع كل أبناء فتح إلى أعلى درجات المسئولية وإنكار الذات من أجل القضية الأهم ومن أجل فتح التي تذبح على أيدي الانتهازيين . فهل يريحنا أصحاب الشعارات من شعاراتهم ، كي لا تبقى الطاسة ضائعة !!!

شكرا لك الأخ أبو علاء علىمساهماتك المتميزة والدائمة المهووسة بقضايا فلسطين حتى مجيء الفجر المضيئ الذي يتوق إليه كل فلسطيني مخلص لوطنه،وكل عربي وإنسان محب للكرامة والسلام.
مودتي الاخوية