الجنــــــــرال يطير
عبد الشافي صيام ( العسقلاني )
طار "مشرف" بعد أن تخلت عنه أمريكا ، وهو الذي باع شرف باكستان للأمريكان في الحرب على ما يسمونه " الإرهاب " . ولولا موقف مشرف المشبوه لما استطاعت أمريكا وحلفاؤها غزو أفغانستان والقضاء على حركة طالبان وتنظيم القاعدة ، تماما كما فعل المعسكر العربي الموالي للغرب مع الأمريكان لاحتلال العراق ونهبه وتقسيمه وإعدام الرئيس الشهيد صدام حسين ، والذين لولاهم أيضا لما استطاعت أمريكا وحلفاؤها هزيمة صدام حسين .
قبل أيام كان "الجنرال المُزاح" ملء إطار الصورة الرسمية المعلقة على جدران باكستان وها هو ينزوي بذلة مخزية لألقابه ورتبه العسكرية ككل من ارتهن ويرتهن لأمريكا والغرب ، وسط أكثر من إعلان رسمي في العديد من العواصم بأنها على استعداد للعمل والتعاون مع الحكومة الباكستانية .
عملية إزاحة "الجنرال المطرود" بإرادة شعبية قادها تحالف أحزاب المعارضة مرَّ دون ضجيج وهو ما يفتح شهية أكثر من تساؤل وسؤال ، فباكستان دولة نووية ولم يصدر أي قلق أمريكي أو غربي ولا حتى صهيوني إزاء عملية التغيير التي وقعت .
فهل هناك ضمانات مسبقة جعلت القلق الأمريكي والغربي والصهيوني لا يتحرك كما هي الحالة بالنسبة لإيران التي ربما تحتاج سنوات لتصل إلى ما وصلت إليه باكستان ؟ وكما حصل مع كوريا الشمالية ، ومع كل من اشترى ملصق عليه صورة لسلاح نووي ، يفرض عليه الحصار والعقوبات الدولية وحتى إن تطلب الأمر تقوم الطائرات الإسرائيلية بعمليات القصف والتدمير . مثل هذا الخوف الأمريكي والصهيوني لم يظهر على ملامح الموقف السياسي الأمريكي أو الهندي الأكثر حساسية تجاه الجارة النووية باكستان ، وكأن السلاح النووي الباكستاني قد تم تحييده أو تعطيله .
أم أن هناك جنرالاً آخر يتم إعداده لتولي السلطة بالقوة وضمن نفس الضمانات السابقة للجنرال المخلوع . لكن إن حدث ذلك فالمؤشرات القائمة على الأرض قد تـُدخِلُ باكستان في صراعات داخلية جديدة خاصة وأن الوضع الميداني في أفغانستان لم يحسم لصالح القوات الأمريكية وحلفائها ، ولا لصالح الحكومة المفروضة أمريكيا على الشعب الأفغاني . الجنرال المخلوع مشرف جاء إلى السلطة في شهر أكتوبر 1999 بعد أزمة الطائرة التي كانت تقله وهو عائد من الخارج وقام بانقلابه على رئيس الوزراء نواز شريف ثم عين نفسه رئيسا لباكستان بمباركة أمريكية قي 26/06/2001 حيث وافق على المطالب الأمريكية باستخدام الأراضي الباكستانية كقاعدة متقدمة للقوات الأمريكية لضرب واحتلال أفغانستان ، ولولا تعاون "مشرف" مع أمريكا لكانت نتائج الحرب على طالبان تختلف في نتائجها وآثارها وتأثيراتها عما هي عليه الآن .
ورغم ما حصل لطالبان فما زالت المخاوف قائمة من حركة طالبان التي تسيطر على مناطق من الأراضي الأفغانية وتقوم بعمليات عسكرية شبه يومية ضد قوات الغزو الأمريكي وحلف الناتو كان آخرها مقتل عشرة جنود فرنسيين وإصابة العشرات ، وتنظيم القاعدة الذي انتشر في أكثر من بلد كما تشير إلى ذلك التصريحات الأمريكية .
كثير من المراقبين ينظرون لما حدث أنه يأتي في سياق تغييرات ستشهدها المنطقة خاصة وأن هذا التغيير قد تم وأمريكا على أبواب انتخابات رئاسية قد تطيح بالجمهوريين بعد السياسات المتهورة للمحافظين الجدد المتصهينين ، وفي ظل اتساع رقعة المشاكل التي تشهدها الساحة الدولية ، في فلسطين والعراق والصومال والسودان وجورجيا ، إضافة إلى ارتفاع أسعار النقط ، وانخفاض قيمة العملة الأمريكية ، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ، وثبوت فشل السياسات الأمريكية والغربية بشكل عام في إدارة لعبة الصراع في العالم الذي بات مهدداً بكوارث ستهز البشرية ، وتعيد العالم إلى حقبة النزاعات الإقليمية .
وكما يقال .. رغم عدم تشابه مواقف العمالة إلا أن النتيجة واحدة وهي قصر عمر الشهوة المشبوهة .