منتديات نبراس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات نبراس

منتدى يهتم بعالم الابداع و التربية والتعليم والثقافة و الحوار
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 نص قصصي الجسر (الجزء الثاني)

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
ركاطة حميد




المساهمات : 10
تاريخ التسجيل : 02/03/2008

نص قصصي الجسر (الجزء الثاني) Empty
مُساهمةموضوع: نص قصصي الجسر (الجزء الثاني)   نص قصصي الجسر (الجزء الثاني) I_icon_minitimeالأربعاء يونيو 18, 2008 12:52 pm

-9-
عاد الشاب إلى مجلس الفنان ، وجده يحكي بتشويق كبير ، قصة امرأة تحولت إلى مارد لعين ، بعدما سلبت بجمالها الأخاذ ، و تضاريس جسدها الفاتنة ، عقول الكثير من الرجال الذين كانوا يظلون تائهين بين الحقول ، و الشعاب ، بحثا عنها ، تسحبهم الواحد تلو الآخر، نحو عين الماء ، فتغرقهم فيها ، حتى تلوثت المياه ، و تسببت في وباء قاتل ، و فتاك .
انكمش الشاب في مكانه ، أحس برعشة تجوب جسده ، بحيرة قاتلة تلفه ، بدت له المرآة في صور متعددة ، وهو ينظر إلى الفنان ، بدا له كالوحش الذي طارده ... لم يتمالك نفسه ، تدخل برعونة مقاطعا سرد ه ، و سأله في لهفة قائلا :
- أين وقعت أحداث هذه القصة ؟
- رد الفنان ساخرا ، إن الأمر لا يعدو أن يكون مجرد أسطورة ، من نسج الخيال .فعقب الشاب حانقا بكون الأمر حقيقي. اندهش الحضور ثانية ، و هم فاغرون أفواههم من الدهشة ، احتجوا على تدخل الشاب كل مرة مقاطعا استرسال الحكي ، و مشوشا عليهم ، صاح أحدهم مستهترا ، و ساخرا :
- لقد نالت منك الحكاية يا " عقى "
رد عقى بثقة كبيرة :
- بل الأمر حقيقة ، بادية للعيان،و بإمكاني سرد بقية تفاصيلها بدقة ..
تدخل الفنان محاولا تهدئة الشاب قائلا :
- إنها يا بني ، مجرد حكاية ليس إلا ...
رد الشاب في عصبية :
- بل حقيقة تحاول طمس معالمها ، أنا أعيشها دوما ، كلما جلست تحت شجرة التين المجاورة للسور المتداعي.
أجابه الفنان مستغربا :
-أنا لم أذكر قط شجرة الثين!!
علت ضحكات صاخبة، وساخرة من أفواه ، ووجوه ، لفها الشحوب ، والتساؤل ، والدهشة الممزوجة بالغضب ، من تهور عقى، وطالبوه بالصمت ، أو الانسحاب،لكنه أسر على موقفه ساردا تفاصيل أخرى ، أكثر غرابة.
تدخل رجل وقور لحسم الموقف، ولتحويل مجرى النقاش الصاخب قائلا:
- المرأة الوحيدة التي سلبت عقول الناس، وظلت حكاية غامضة لعقود طويلة،" شيخة " لها صوت ملائكي، وجسد فاتن، شعر أفحم من الليل، اختفت في عز المقاومة ، بعد رفضها الغناء في حضرة القائد ، والقبطان فرانسوا، وعندما تم تضييق الخناق عليها من طرف العسس، ويحكى أنها ألقت بنفسها من فوق الجسر، وابتلعتها مياه النهر، فكيف لها أن تعود ، وتصير حقيقة ، حسب ما تدعيه؟!!
- .قاطعه الشاب بغضب:
- أنا أعيش أحداث الحكاية، وتفاصلها،لحظة بلحظة، كلما جلست تحت تلك الشجرة ..
بدهاء كبير ، قال الفنان، محاولا تعجيز عقى ،أن كل الأماكن التي تتحدث عنها الحكاية ،لا يعرف لحد الآن أين توجد بالضبط ، كما أنه ابتدعها من بنات أفكاره ،وهو يمر قرب عين ماء ، كانت في الماضي توجد أسفل المنحدر المحادي للجسر.
رد الشاب بعصبية ، و تأكيد كبيرين ، أنه يعرف مكانها بالضبط قائلا:
- إنها توجد عند الضفة اليمنى للوادي قرب الجسر ، و غير بعيدة عن مسكن العجوز الشمطاء..
نهض الفنان ، و انتصب واقفا في مكانه ، مخاطبا الحضور بقوله:
- الشاب عقى على حق ،إنه نفس المكان الذي استرخيت به قبل مواصلة الطريق نحو القرية هذا الصباح ، لقد أحسست بعياء كبير ، من جراء السير طوال الليل ، فغفوت قليلا ، لكن كابوسا لعينا استبد بي ، تفاصيل أحداثه تتطابق إلى حد ما مع حكايتة ، و لكن لدي سؤال واحد ، ما الأمر الذي يميز المرأة؟.
رد عقى دون تردد قائلا :
- شعرها الفاحم، و جسدها الغريب، جمالها الأخاذ ، و نظراتها القاصفة و المميتة، إنها لا تشبه أية إمرأة من زماننا...
تحشرج الفنان، و استأذن الحضور في الرحيل عن القرية.

-10-
لم تستطع الزوجة تمالك نفسها، دخلت عليهما على غير عادتها، و هما لا يزالان يتبادلان أطراف الحديث بحدر، رمقها مولود ، فأحس باهتزاز كيانه و مشاعره، ارتبك و ظل ينظر إليها في حدر ، و صمت كطائر جريح ، يحاول التواري بين أغصان شجرة يابسة، تحلم بتفتق أوراق خضراء يانعة ، بحجم الدهشة ، و الخطيئة ، بينما كانت هي تنظر إليه ، بنظرات جانبية ، في حين كان الزوج مصعوقا ، مندهشا ، لتصرفها و جرأتها القاسية على اقتحام عالم ضيفه الخاص ، و تكسيرها لعرف الخصوصية الساري مفعوله بكل البيوت ، أحس بالضيق ، و تمالكه الذعر ، و تقوقع على نفسه ، و كأنه في مواجهة فواهة بندقية قناص متمرس.
خيم صمت جنائزي عليهم جميعا كسرته "إيزة " بعد كل هذه السنوات ؟
ظل، يبتلع ريقه ، والزوج من حيرته الكبيرة ، لم يتمالك نفسه من توجيه سؤاله لزوجته :
- هل تعرفين هذا الرجل؟!..
ظلت إيزة صامتة، ومولود هو الآخر ، لم يكن يسيرا عليه الخروج من صمته،طأطأ رأسه، أحس باليته ، والضياع ،وبنوع من التخاذل ، وبسقوط كل أقنعته ، فبدأ يعترف على مضض قائلا:
أنا فعلا هو ذلك الصبي الجالس بقرب والده ، في تلك الصورة، قناص الخنازير.
تنهد كلماته العسيرة ... وهو يلوك حرقتها بمرارة كبيرة ... بينما ترجع الزوج إلي الوراء قليلا ، محاولا إبتلاع مفاجأته، أحس بدوار عنيف، ورجة قوية بداخله، بكى كالطفل بكاء مريرا ، وزوجته لاتزال متوبثة كلبؤة حائرة ، بين ضعفه ، وهول المفاجأة، ودهشة مولود العائد من جوف النسيان....استجمعت كل قواها ،أخبرته أنها علمت منذ سنوات بحادث مقتله مع عائلتها، وبعض المقاومين ، أثناء محاصرتهم من طرف جنود الاحتلال في الجبل...ابتلعت لسانها فجأة، ولولت ، وناحت باكية هي الأخرى، وطفقت توبخه بحنق ،مضيفة أن جروحها لم تندمل بعد، رغم محاولات النسيان المريرة، اعتقدت أنها طوت ذكراه للأبد.

- 11 –
و هو يحث حماره على السير بسرعة بعيدا عن القرية ، كان الفنان المتجول ،يفكر بإسهاب في أمر الشاب ، اعتقد أنه تمكن من استرجاع بعصا من قدراته على تشنيف أسماع الناس ، بكل ما هو عجيب ، و غريب ، لكن الأمر كان مجرد رؤيا /كابوس لعين ألم به ، أو انذار على وقوع مكروه كبير بالقرية .حدسه لا يخطئه أبدا .تأثر كثيرا لحالة " عقى " و لحكايته التي لم تكن قط من نسج الخيال ، و بتقاطع أوقل تطابق أحدثها مع حكايته الصعبة التأويل،مما أرغمه على المغادرة بسرعة ، استجابة لنداء داخلي.
عند مدخل الجسر، اعترض سبيله عقى ، ظل واقفا كالمارد ، تابتا لا يتحرك ، توقف مذعورا ، و دون أن ينس بكلمة واحدة ، اتبع إشارة بسبابته نحو مكان العين الجافة ، نزل من على ظهر دابته ، و رافقه في صمت .

-12-
لم يستطع ميمون تمالك نفسه، هم بالخروج فاعترض سبيله الزوج ، ترجاه بقضاء الليل عنده ، مطمئنا إياه بكتمان سره و دفنه للأبد و بضرورة البحث عن حل يمكنه من العيش بالقرية ، و تدبر أمر البحث عنه من طرف المخزن ... بينما كانت إيزة ، لا تفكر إلا في المبررات التي سوف تقدمها لزوجها ، فهي لم يسبق لها أن فاتحته حول ماضيها ، معتقدة أنها دفنت أسرارها للأبد ، بموت كل الذين كانوا يعرفونها عن قرب ، لما اختفت ذات ليلة صيف قائضة في أوج مقاومة المستعمر ، تاهت لا تعرف أين ذهبت ؟ أو مع من كانت ؟ أو كيف حدث ذلك ؟ كلما كل ما تذكره هو أن شيخ الزاوية و مريديه، كانوا برفقتها في رحلة طويلة نحو الجبل . وهي شبه فاقدة للوعي، و لما استفاقت، وجدت نفسها محاطة ، بالعديد من النساء و الأطفال داخل كهف مظلم؛ قضت به أشهر عديدة ،لتتمكن بعدها من الاندماج الكلي مع جو المعسكر، و نظامه القاسي. و ذات صباح أرسلت إلى القرية بهوية جديدة ، و اسم مستعار، من أجل التنسيق بين مختلق الخلايا النائمة ، التي لم تطلها الإبادة ، من أجل تنفيذ مخططات طويلة الأمد ...
في حين ، تساءل ميمون عن قبوله فكرة العودة متنكرا إلى قرية ، ظل يمقتها كل المقت ، في هيأة رجل غريب ، و عن دواعي إذعانه لرؤسائه بسهولة ، بقبوله إنجاز المهمة . لماذا استسلم لذلك النداء الغريب الذي ظل يناجيه من الأعماق ؟ تلك الذكرى الجميلة التي شكلت جسره الوحيد للعبور نحو الماضي ...؟ ، ثم هو قد كلف من طرفهم بقتل شيخ القرية و زوجته التي لم تكن سوى هي ، مامة / ايزة ، اسمان لشخص واحد ، العدو الجديد للمقاومة ، و العميلة النائمة داخل القرية . لكن لماذا وقع اختيارهم عليه بالضبط ؟ هل فكروا في التخلص منهما معا ؟ أم لأنه الشخص الوحيد القادر على انجاز المهمة بشكل نظيف و متقن ؟ ثم لماذا قبل ، و امتثل دون ا بداء ملاحظاته ؟ هل يعلم أحد من رؤساءه بعلاقته القديمة معها ؟
تنازعته عشرات الأسئلة ، خلخلته ، و أربكته في نفس الوقت ، حتى وصل حدا من الحيرة و العجز، لم يشهد مثلهما من قبل ...
فتح شيخ القبيلة صندوقا كبيرا ، أمد مولود ببعض المال ، و حثه على الرحيل إن أراد ذلك ، قبيل الفجر ، ثم خرج رفقة زوجته ، و هو يفكر في وسيلة تمكنه من الإيقاع بضيفه ، أو التخلص منه و من كل
أسراره ،التي لا محالة ستجلب له مشاكل كبرى ، و تبعده من دائرة أسياده الخاصة، وبخسائركبيرة ،
فالرجل كان عشيقا لزوجته، و عدوه اللدود، و شريكها في كثير من المؤامرات ، و الأحداث التي كانت كل مرة تهز مكانته كشيخ للقرية.
تحسر كثيرا ، لكون عشرون سنة ، لم تكن كافية لطي صفحات ماض غارق في الدسائس ، و الجرائم ،تذكر كيف كان يساوره الشك مرارا في أمر زوجته ، التي لم يكن يعرف عن ماضيها أي شيء، و فشله في الحصول على مجرد معلومة واحدة عنها ، و في الأخير أدعن و استسلم لحبها ، و غوايتها ، و جمالها.. امرأة ذكية ، لا يعرف الخطأ سبيلا لقرارتها ، حكمتها بليغة ، و شخصيتها قوية، لكن ما استجد ، كان أكبر من أن يتحمل عواقبه وتبعاته، أحس أنه كان يعيش خدعة كبيرة انطوت عليه حيلها، وبأنه أبلد رجل في القرية على الاطلاق . فهو لن يقبل بروية إنهيار الصرح الذي شيده رفقة والده في أحضان "المخزن" ،
،وهو الذي يحلم ، ويطمع في تعزيز مكانته، وركائز نفوذه وسلطته، فوعد القطبان له بترقيته ، رهين بما يقدمه هو الأخر من خدمات جليلة، كما أن حلمه لن يحول بينه وبين تحقيقه عائق كيفما كان.
وهو يسرج بغلته، أمر زوجته بالتزام الصمت والحذر، ومراقبة مولود، وأنه مهما حصل، ستظل المرأة التي أحب، ومن مصلحتها عدم التهاون، أو ارتكاب خطأ مهما كان بسيطا، وبأنه سوف يتخذ كافة الإجراءات، والاحتياطات ،للوصول خفية إلى المركز لإبلاغ السلطات ، والقبض على المجرم حيا.
قالت له :
و لماذا لا ترسل شخصا أخر بدلا عنك ؟
ابتسم في خبث قائلا :
- إنها فرصة العمر يا إيزة ، و لن أدع شخصا آخر يستغلها ، و يحقق طموحه على حسابي.
- 13 –
تمكن الفنان من الاحتيال على الشاب ، أخبره بأنه يصدق رؤيته ، و أن الأمر لا يعدو أن يكون خيرا ينتظره، و ثروة كبرى سيحصل عليها قريبا ، و أنه في الحقيقة ليس بفنان متجول و لكنه باحث عن الكنوز المدفونة ، و المنسية ، يتعقبها أينما كانت ، أو سمع بها .أخرج من حافظة فوق صدره قلما ، و قطعا من الورق ، و أخد يكتب مجموعة من التعاويد ، علق أحدها بجيد الشاب ، و أمره بالتوجه نحو عين الماء الجافة و البدء في الحفر.
تردد عقى في بداية الأمر ، لشعوره بالخوف لعدم تقته في الرجل ، لكنه و تحت التأثير و الإلحاح المتواصل ، أدعن بسهولة ، و أخذ ينجز المهمة بكل عفوية ، بينما كان الفنان ، يتلو بعض الآيات ، و يحرق أصنافا غريبة من البخور . حتى أغمي على عقى...

-(يتبع)
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
نص قصصي الجسر (الجزء الثاني)
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نبراس :: قصة-
انتقل الى: