" أنفاس مستقطعة " لعبد الواحد كفيح
في محك التواصل الأدبي والثقافي بالفقيه بن صالح
نظمت جمعية التواصل الأدبي والثقافي بالفقيه بن صالح ، يوما دراسيا حول " أنفاس مستقطعة " للقاص عبدالواحد كفيح ، وذلك يوم 31 ــ 05 ــ 2008 بدار الشباب أم الربيع على الساعة الخامسة مساء .
قدم في البداية مسير الجلسة عبد الله المتقي " أنفاس مستقطعة " كمجموعة قصصية صدرت عن منشورات وزارة الثافية المغربية سنة 2006 للقاص عبد الواحد كفيح ، وهو واحد من القصاصين المغاربة المنخرطين في فعل قصصي جاد ومحبوك . وفي المقابل ، قدم عناوين الأوراق ( قراءات وشهادات ) والتي سيتقدم بها نقاد وكتاب مغاربة لهم أصواتهم ومساحاتهم المحترمة على الساحة الثقافية .
ـ القراءات النقدية :
الشاعر إبراهيم قهوايجي شارك بورقة بعنوان : السيري والموضوعي في " أنفاس مستقطعة "، فالكتابة الأولى شديدة الخصوصية وعديمة التكرار ، وفي الغالب تكون ملتصقة بالذاكرة . وهو ما يؤدي إلى حضور النفس السيري ، وينطبق الأمر على " أنفاس مستقطعة" التي انبنت على الإستقطاع المعبر عن روح القصة ، باعتبارها تنهض على اللقطة والاختزال ، اختزال مشهدي مفتوح على واقع القرية ومفرداته ، وعلى حياة شخصية إشكالية لصيقة بجل أحداث المجموعة . وهو ما أدى إلى تذويت المكان بين الحواس
والخيال . فكانت الأنا مضاعفة ومتشظية نظرا لاكتظاظها . كما ركز العارض على للغة السردية المؤسسة لملامح محددة للحظات السيري القائم على أسلوبية الحكي وتفصيح العامي بنفس قصصي طويل أقرب إلى مقطوعات روائية .
الناقد محمد الدوهو ركز على صوت الكتابة في" أنفاس مستقطعة " التي تمتح مادتها من معين المتأصل الذاتي الذي يتمفصل حسب الدوهو إلى مكونين : المكون الذاتي والمكون الموضوعي . فالأول يحيل على البعد السير ذاتي وما تختزنه ذاكرة الراوي من حكايا تؤثث وعيه في علاقته بالمكان والزمان . أما المكون الثاني ، فيحيل على محكيات تلتصق بذاكرة المكان والزمان أيضا . في كلتا الحالتين ، يمتزج المكونان في صلب الحكاية ، لرصد
" الثابت والمتحول " في صيرورة المرجع الذي تحكيه .
الناقدة سعاد مسكين انطلقت في ورقتها من سؤال مركزي : من أين تولد للقاص عبد الواحد كفيح هذا العشق للحكي ؟ . ورصدت في جوابها الممنهج ثلاثة مفاصل ، الأول بعنوان القصة والذاكرة ، فالجدة والطفولة مصدران أساسيان لعملية الحكي في المجموعة ، وبالتالي الربط بين الموروث الثقافي وبين اليومي ليعيشا جنبا إلى جنب . فالذاكرة الشعبية تحضر في "الأنفاس " من خلال علامات ورموز، بعضها موغل في التاريخ والأساطير. لكن خاصية عبد الواحد كفيح تكمن في اضفاء الطابع الدرامي على نصوصه ؛ نتيجة شعوره بالغربة . فكانت الطفولة ذاك الصفاء المفقود والجمال المبحوث عنه . أما المفصل الثاني لهذه الورقة ( القصة كينونة ) ، فركزت فيه على سيرورة الحكي وديمومته ؛ أي الحكي في الزمن انطلاقا من الجدة إلى السارد . وبالتالي الإشتغال على البديل السردي ، من خلال تقنية شهرزاد : دفع الموت والإخفاق بالحكي كدواء للنفوس المريضة بالسلطة ، الحكي الذي يعري ويفضح في انتصار للحياة كما عنونت العارضة المفصل الثالث ( القصة ـ لحياة ) .
القاص حميد ركاطة ألقى ورقة عنونها ب "ينابيع الحكي في أنفاس مستقطعة " ، فاعتبر روافد الحكي متمثلة في الجدة والطفولة من خلال حفر عميق في الذاكرة ، فاتخذت المحكيات طابعا واقعيا ـ تسجيليا ، محكيات مؤطرة بفضاءات مغلقة ( البيت ، المقبرة ، الحانة ..) ، وأخرى مفتوحة ( القرية ، الشارع ، الساحات ..) ، وثالثة متخيلة . وينتهي العارض إلى خلاصة تقول بأن الكتابة عند عبد الواحد كفيح ، تنبني على أسس متينة كان الواقع لبنتها الأساسية في البناء الدلالي وبالتدقيق ما يتعلق بالهامش ، مقدما إياه القاص كفيح ضمن قالب ساخر . ف "أنفاس مستقطعة " في مجملها تقدم صورا لأشياء مفتقدة ، وبالتالي فالقصص تعيد رسم معالم المدينة التي ينتمي إليها القاص ، بشخوصها الساقطة التي تدخل في باب المنسي والتناسي .
تقدم الباحث محمد الوافي بورقة بعنوان : السخرية في" أنفاس مستقطعة" ، وقد تم التركيز في البداية على العنوان وهو غير خادع هنا ، لأنه يؤشر على انكسارات اجتماعية لشخصيات في صراعها اليومي مع الفقر والجهل . الشيء الذي أدى إلى تكرار العنوان في أغلب قصص المجموعة . وبعد ذلك ، قام العارض برصد بعض مظاهر السخرية في قصص المجموعة ، ساعيا إلى تحديد لمسة القاص عبد الواحد كفيح في ذلك ، وقد تظهر في الوصف الساخر لحالات ومشاهد مختلة ، وبالتالي فالقاص نهج الطريقة الفكاهية في الحكي من خلال احتفاء واضح بالحبكة والحكاية عبر خطية سردية ذات زمن واحد تصاعدي . فخلص الباحث محمد الوافي إلى أن عبد الواحد كفيح كاتب واقعي بامتياز، اعتنق هموم مجتمعه ، بعيدا عن المد والجز اللذين يطبعا الكتابة التجريبية .
يبدو أن القراءات في مجملها عددت من زوايا الظر ل "أنفاس مستقطعة " ، فتعددت المفاهيم والأطر المرجعية . الشيء الذي أغنى النص ، وفتح شهية الحضور، للعودة لهذه المجموعة ، استنادا على إضاءات جديدة . وهذا يؤكد أن الأعمال الأدبية غير مستفذة في الدلالة والأداة تحليلا ، وتلك خاصية النص العميق والهادىء .
ــ الشهادات الأدبية :
تقدم عبد الغني فوزي بشهادة بعنوان : عبد الواحد كفيح بين القصة و"المطور لحمر" . ولا تعدو أن تكون لعبا مع القاص وأشيائه الصغيرة ، وساحة اللعب الشرفية تمثلت في القصة.
اتخذت الشهادة شكل لوحات حول الكتابة والحياة وخيط الصداقة الذي يغذي الأشياء ، منها الكتابة ضمن أفق مشترك . تقول الشهادة في بعض لوحاتها : " حين فتحت العين أكثر على عبد الواحد كفيح ،وجدت " المطور لحمر " خلفه ، يجري وإياه ، كأنهما ذاك الخيط الذي تشتهي الريح ، لرتق الحالات والمشاهد . وأنا أمعن النظر في هذه الدراجة التي لا لسان لها ماعدا صاحبها . تحضرني سيارة " الطاكسي " الحمراء التي تحولت في قصة أحمد بوزفور إلى ليمونة شهية ، تكسر رتابة واقع وحكي معا . وفي المقابل ، فالدارجة تجري لكنها إذا سقطت في القصة ، فستعبر علينا كتابة ، وتدعونا لكشف الخبايا والمعادن على حد تعبير الشاعر العراقي أسعد الجبوري . أعود وأسأل : لماذا كلما حضرت القصة ، رفعت الدراجة؟
شهادة الشاعر محمد حد قدمت أفكارا عديدة ، بعضها تعلق بالكتابة ، والآخر بالقصة ، والثالث حول علاقته بالقاص عبد الواحد كفيح . فالكتابة لعبة تضاهي الحياة في وجوهها المتعددة ، وضمن ذلك تكون القصة منفلة باستمرار كتشكل دائم . وما يواكب ذلك من اندهاش وفتنة داخلية . وركزالشاعر محمد حد في علاقته بكفيح على نقطة البدايات ، انطلاقا من ثمانينيات القرن الماضي ، إذ عرفه طالبا شغوفا بالكلمة ، والقراءة ، وحب الإنصات وهي نفس صفاته اليوم . يقول محمد حد في جانب من شهادته : " عبد الواحد كفيح زمردة في عقد الكتابة القصصية بإصراره وعناده وطموحه ، استطاع أن يقلب ظهر المجن على التردد والاحباط ، وأن يقف في عين الشمس ليصوغ عوالم باكورته الأولى في أحلى المواعين من خلال لغة شفافة وتكثيف معبر وتشكيل أخاذ . "
الكاتبة الفلسطينية عايدة نصر الله بعثت بشاهدتها من هناك ، مقدمة تفاعلها الخاص مع تجربة عبد الواحد كفيح ، مسلطة الضوء على بعض قصص " أنفاس مستقطعة " الزاخرة بالمنسي والأحلام الوردية المجهضة والمفارقات .. كل ذلك ، صيغ بقالب ساخر و بشكل لاذع . تقول في شهادتها : " مجمل القصص التي أسعفني الحظ في المرور عليها عابرة على النت تتطرق لشخصيات مكبوتة ، شخصيات حالمة ، تهذي أحيانا بحيث يلتبس الحلم بالواقع، شخوص تصبو للحب ، للعناق ، لدفيء الصدر ، ولأرض تكون حانية تحمي أبناءها من الذل ومن النوم على قارعة الطريق ، كأم تحتضن أطفالها من الضياع . ولكني لاحظت ، أنه كلما منح الكاتب لنفسه أن يمرح في حقل الكتابة أكثر، أبدع وصال وجال واكتنفته النكتة والعفوية الماكرة في تفاصيل جميلة عابقة بالحواري والتوابل والأزقة.. . فربما هي علامة وإشارة لخوض الكاتب عالم الرواية مستقبلا . " .
بدت الشهادات لعوبة ، غير مقيدة بصرامة النظرية ، ساعية إلى إبراز ذاك التداخل بين الذات والكتابة . وقد تقدم بهذه الشهادات مبدعون مما أدى إلى التركيز على علاقة المبدع باللغة والأسئلة الحارقة . كأن الأمر يتعلق بسلالة خفية لها تقاطعات عديدة على مستوى الإحساس والتصوير والسبك...
متابعة : عبد الغني فوزي