متى أضحك أخيرا؟
متى أستسلم لنوبة ضحك ترخي عضلات الوجه والقلب معا؟
وقد أنسى حينها للحظات وجع الفقدان والألم والخيانة والوحدة الموحشة؟ وربما لوهلة، أثناء استسلامي للقهقهة، قد أستعيد شيئا من طفولتي.. وربما أتذكر طعم القبلة الأولى.. او يد والدتي الدافئة عندما كانت تمسد شعري..
لكن الضحك أصبح عملة نادرة في واقعي.. أحاول أحيانا، دون جدوى.
أقف أمام المرآة، و آمرني بالضحك.. بكلتا يديّ، أبعد شفتيّ.. وأحاول إخراج صوت قوي.. فلا أسمع إلا الصمت..
يبقى فمي مفتوحا إلى أن يؤلمني فأستسلم وأطبقه..أطبقه عن الضحك وعن الكلام..
أصرخ كثيرا وطويلا.. جيراني حفظوا صوتي العالي وأعلنوا انزعاجهم.. لكنني تحديتهم.. أنا موجودة بينهم، لذا عليهم أن يسمعوا صراخي..
- لا تفعلي، تردد جدتي بصوتها الأكثر صرامة.. الفتاة لا تضحك عاليا.. إنها تبتسم، فقط..
أضحك أعلى وأسألها:
- لما؟
جدتي لم تكن تملك كل الإجابات. كانت تعلم فقط ، ما الصحيح وما الخطأ. وحين كانت تضيق علي نطاق حريتي بما يجب ولا يجب، كنت أصرخ عاليا.. لا.
لا.. كانت كلمة سهلة.. كنت أنطقها ببساطة تماما كما أسأل " لما.. "
وإذا توجب الأمر، كنت أبكي.. البكاء وقتها كان هينا أيضا.. كنت أترك الدموع تنساب كلما أردت.. يكفي أن أشاهد فيلما أو أن يرشقني أخي بكلمته المعتادة :
- أنتِ طفلة مدللة
.... بعدها أقهقه عاليا ساخرة من حساسيتي المفرطة..
الآن هجرتني الدموع .. أستغل أي مناسبة لاجتذابها .. لكنها تقاوم ..
" أجدني " الآن مفرغة من عواطف أساسية.. أنا التي أكره صفة الحياد..
وجودي أصبح مشكوكا به. فمقدم الحي رفض تسليمي شهادة السكنى، لأنه لم يتوصل بشكوى عني، والجيران يعتقدون أنني سافرت.. وحبيب سابق اعتقد أنني هاجرت..
وأنا مازلت هنا، في نفس الدار.. ألملم ما تبق من عواطفي، وإن كنت الآن..
لا أسأل.. ربما لأنني فقدت الإيمان بوجود أجوبة منطقية لكل شيء..
ولم أعد أعترض.. ربما لأنني " تركتني " أنجرف مع التيار..
ولم أعد أضحك.. لأنني فقدت القدرة على البكاء..