منتديات نبراس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات نبراس

منتدى يهتم بعالم الابداع و التربية والتعليم والثقافة و الحوار
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 الثامن من مارس.. وأشياء أخرى

اذهب الى الأسفل 
4 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
فاطمة الزهراء الرغيوي




المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 26/02/2008

الثامن من مارس.. وأشياء أخرى Empty
مُساهمةموضوع: الثامن من مارس.. وأشياء أخرى   الثامن من مارس.. وأشياء أخرى I_icon_minitimeالثلاثاء مارس 11, 2008 2:17 pm


الثامن من مارس.. وأشياء أخرى



في ذكرى رحيل شقيقي، محمد الإدريسي الرغيوي.. وذكرى آخر درس تعلمته منه..





كان اليوم حافلا منذ بدايته، طويلا.. استيقظت باكرا جدا. حاولت أن لا أزعج شقيقَي الأصغرين الذين يشاركاني الحجرة. كريم بالخصوص، الكريم بصراخه واعتراضه كلما أصدرت أقل صوت.. غيرت ملابسي مسرعة، عرجت إلى المطبخ، وضعت على قطعة خبز بعض الزبدة، وفي أخرى وضعت بيضة مسلوقة إضافة إلى قطعة طماطم، حملتها في حقيبتي وهممت بالخروج.

- هل أنت ذاهبة يا ابنتي؟ أتاني صوت الحاجّة من الغرفة الأخرى

- نعم، آمّي.. بْالسلامة.

وانصرفت، بينما استرسلت هي في دعائها:

- الله يوقف لك أبناء الحلال في طريقك ويحميك من كل شر..

لسعتني لفحة الهواء البارد، حالما خرجت. أيام الشتاء قاسية. لبست تحت سروالي الجينز سروالا قطنيا وارتديت كنزه صوفية، لكنني رغم ذلك شعرت بالهواء البارد يتغلغل إلى مفاصلي. ربما عليّ أن أقتني معطفا.. عليّ أن أزور محل الطنجاوي يوم الأحد.. قد يكون أحضر سلعة جديدة من سبتة. وقد أتمكن من إقناعه بتقسيط الثمن إلى دفعات.. بضاعته مستعملة لكن منذ أن امتدت شريحة زبوناته لتشمل المدرسات والموظفات، أصبح يتمنع عن تقسيط الدفع.

الطقس بارد فعلا، والليل مازال مستوطنا المدينة.. عواميد الكهرباء تبعث ضوءا خجولا بالكاد يجعلني أتفادى الحفر الكثيرة في الشارع... أقترب من كشك الحارس الليلي للسيارات و..لي. أحيانا أعطيه مبلغا صغيرا.. أعلم أنه سيحميني من مضايقة متسكع سكران أو محشش.

- صباح الخير، أخي عبد السلام.

- صباح الخير، آختي يرد بصوته الجهوري.

ربما صوته هو سلاحه الأكثر فعالية. عبد السلام رجل ضئيل الحجم في بداية الأربعينيات. يعمل ليلا ليترك مكانا كافيا لأولاده الخمسة للنوم مع أمهم في الغرفة الوحيدة المستأجرة. يسهر لآخر الليل مع شباب الحي، يدخنون الحشيش والنكت الجنسية. شقيقي الأكبر يشاركهم السهر.. لحسن الحظ لا ألتقيه إلا نادرا.. يكون قد استسلم لتوه للنوم حين أغادر للعمل وعندما أرجع يكون قد خرج بدوره. أسلم منه طالما تركت له مبلغا مع الحاجّة. إذا تأخرت بالدفع، يختفي شيء من البيت، إناء ما أو لباس.. أحيانا أتعرض لنوبات غضبه:

- ولماذا تعملين؟ أنا الذي يسمح لك بالعمل.. سأسجنك في هذه الدار إلى أن يقبل بك رجل أيها العانس أو تموتين..

وعندما أحاول الاعتراض يرعد ويزبد:

- أنا رجل الدار.. لا كلمة إلا كلمتي..

وتهدئه الحاجّة كعادتها:

- ييه ياولدي، أنت الراجل طبعا..

الله يسامحها.. لو تركتني لكنت اشتكيته للشرطة.. لو أن لي عملا أفضل، لاستأجرت بيتا بعيدا منه ومن هذا الحي المليء بالبؤس.. بيد أن شهادة الليسانس في الأدب العربي لم تؤمن لي عملا.. هي دروس الخياطة التي أنقذتني..

وأنا أقترب من موقف الحافلات، ألتقي بعض المصلين الذاهبين لصلاة الفجر.. الشباب ملتحون، مسرعون، بالكاد يرفعون بصرهم عن الأرض.. الأكبر سنا، يتقدمون بخطوات متثاقلة، يتطلعون إلى الوجوه وهم يقلّبون حبات التسبيح ويتمتمون.. جمعٌ من الفتيات وعدد أقل من الشبان سبقوني إلى المكان.. ألقيت التحية بصوت خافت وأنا أنضم إليهم.. لا تعلوا أصواتنا حتى نركب الحافلة..

- آحْمْد، شغل الراديو.. آحْمْد، هاك كاسيت هيفا الجديد..

وأحمد أو أحد زملائه يتحمل ضجيجنا ومزاحنا ذهابا وإيابا.. حاولت الإسراع للحصول على مقعد، دون جدوى. هذا النهار الذي لم يبدأ بعد طويل، طويل.. واقفة، محشورة بين الآخرين أحاول تتبع الحديث الدائر.. لستُ محايدة.. مثل الباقين أتلذذ بتناقل الأخبار عن سكرتيرة المدير وعلاقتها المزعومة مع المحاسب أو عن طلاق زميلتنا التي تزوجت منذ شهرين..تلك تعويذتنا للانتقال من يوم إلى آخر دون ملل. وصلنا أخيرا. إنها الخامسة صباحا.. بدأت خيوط الضوء تغزل الظلام لتبعده. دخلت إلى مبنى المعمل.. قد لا أرى أشعة الشمس اليوم، وحدها الإنارة البيضاء الساطعة، سترافقني إلى آخر النهار.. أتوجه إلى مكاني متفادية البلبلة المعتادة لزميلاتي. ألقي التحية على بعض المراقبات.. يجب دائما الاحتراس منهن. قد تنقلبن على إحدانا في لمح البصر.. وقد يصل الأمر إلى الطرد.

وضعت بلوزة زهرية اللون مثل الأخريات، وجلست إلى ماكينتي. أزلت غطائها ووضعته قرب حقيبتي على الأرض. ثم باشرت بتمرير قطع القماش تحت الإبرة.. هذا الأسبوع نخيط قمصان نوم حريرية للرجال.. ذات لون أزرق قاتم كلون البحر الثائر أحيانا.. أتصور رجلا يرتديها، ربما كرجال الدعايات، أسمر، طويل ولا مبالي.. محظوظ هو ومحظوظة امرأته.

طوال فترة الصباح، كررت عملية الخياطة مرارا وتكرارا.. أصبحت أرى كل الأشياء زرقاء كلون البيجامات، حتى وجه المراقبة وظهر زميلتي الذي يقابلني.. عليّ أن أزاوج بين السرعة والإتقان. أجري مرتبط مباشرة بالأمرين..

أشعر بجفاف في حلقي، لم أتحدث منذ الصباح، وحده صوت المذياع له الحق في مرافقة ثرثرة المراقبات وضجيج آلات الخياطة.. حوالي العاشرة، نحظى بأول استراحة. أسارع إلى المراحيض. أتزاحم مع الأخريات لئلا أتجاوز الوقت المحدد، أتجاهل مشادة بين زميلتين.. ربع ساعة فقط لنقضي حاجتنا.. أخرج من هناك، أتناول من جيب بلوزتي قطعة بسكويت وألتهمها.. كنتُ مدورة، في الجامعة. كان جسمي المليء يثير الرغبة والغيرة.. الآن لم اعد أحمل إلا عظامي.. وحدهن المراقبات والملتحقات الجديدات بالعمل يتمتعن ببعض الوزن الزائد.

استمر يومي رتيبا، طويلا إلى فترة الغذاء. خمسة وأربعون دقيقة.. تناولت سندوتشي.. وإذ بقي إحساس الجوع ، قررت أن أتطفل على ميزانيتي وأشتري ياغورت.. نجلاء وأخريات يستعرضن مالهن ويطلبن ساندويتش كفتة أو كبد.. هن لا يصرفن على أسرة كاملة.. وأحيانا يكون لديهن صديق يغدق عليهن بالهدايا.

عندما أخبرت سعيد أنني أعيل أربع أشخاص، التفت إلى فتاة أخرى.. نحن في هذا المعمل كثيرات..

وأنا عائدة من فترة الغذاء، استوقفتني المراقبة، هل من خطب، فكرت؟ إذ اصطحبتني إلى مكتب مراقب الإنتاج.

- أدخلي، قال بصوت ناعم بينما تراجعت المراقبة مغلقة الباب وراءها.

تقدمت قليلا ووقفت أمام المكتب..

- أنت حاصلة على الليسانس إذا؟

- نعم، أجبت.

- ممتاز، قال بتحمس، ضاغطا على حرفي الميم.. لقد اخترتِ لمهمة مميزة. سيسري راتبك كالعادة وسترتاحين من ماكينتك لباقي اليوم.. إذا أحسنت التصرف ستحصلين على علاوة وتوصية لمنصب مراقبة.

هل هو يوم سعدي؟ تجاوزت عرض العلاوة لأتخيل منصب المراقبة، أجر أعلى ومجهود أقل..

- ما الذي عليّ عمله سيدي؟

وقف المدير ودار حول مكتبه.. نظر إلي متفحصا، اقترب أكثر ووضع يده على كتفي..

- مم..

هل هذا هو الأمر؟ لا! يا للمصيبة! لم أنا بالذات؟ لم أحاول لفت أنظاره. لم أبتسم له يوما. لم أقل له صباح الخير. أو .. مثل بعضهن، بغنج واضح:

- يناسبك لون البذلة، يا سّي مرزوق.

- انزعي بلوزتك..

ضممت ذراعي على صدري بهلع..

- سيدي، أنا يتيمة الأب، أعيل..

- لا تخافي! قاطعني بصوت منزعج. لست هنا لأجل إرضائي.. انزعيها.

حاولت أن أفكر في سبب يساعدني لأعترض أو لسبب منطقي لأنزعها.. تداخلت في رأسي الصور، نزعتها بتردد..

ألقى نظرة سريعة وعاد لمكتبه.

- يجب أن نجد لك قميصا آخر..

وفي لحظات وجدتني، حائرة، أرتدي قميصا آخر في مكتب المراقبات. وعدت إلى مكتب مدير الإنتاج لأجده رفقة مدراء آخرين.. مثله، تفحصوني بنظرة ثاقبة... شعرت باحمرار يعلو وجنتي.

- إذا أنت حاصلة على الليسانس في.. بادر أحدهم.

- الأدب العربي، سيدي.

- ممتاز.. إذا، سنتوقع أن تتصرفي جيدا. إذا رضينا عنك ستحصلين على العلاوة والترقية..

- نعم، سيدي. لكن..

قاطعني بحزم:

- سيرافقك سّي مرزوق، تقيدي بتعليماته وسيكون كل شيء على ما يرام..

ما الذي سيكون على ما يرام؟.. تبعت مدير الإنتاج إلى قاعة أخرى. هناك كان فريق تصوير ينتظر..

- هذه عاملة لدينا، ستجيب على أسئلتكم.

تطلعت مشدوهة إلى المذيعة وهي تقترب مني بابتسامة جامدة.. بينما سلط تقني ضوءا قويا على وجهي وأمسك آخر بعدسة الكاميرا.. التفتُ إلى مدير الإنتاج متسائلة لكنه اكتفى بحركة رأس خفيفة.

استهلّت المذيعة الكلام بصوت واضح:

- نحتفل جميعا اليوم، بتخليد ذكرى الثامن من مارس.. اليوم العالمي للمرأة.. وهي مناسبة أبينا فيها إلا أن نتوجه إلى شريحة مهمة من النساء لنسألها عما يمثله لها هذا اليوم.. معي إحدى العاملات النشيطات في المجتمع..

أبعدت نظرها عن عدسة الكاميرا وتوجهت إلي مباشرة:

- هل يمكنك أن تخبرينا عما يمثله لك يوم الثامن من مارس؟

....



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
منال الخالدي

منال الخالدي


المساهمات : 68
تاريخ التسجيل : 17/02/2008

الثامن من مارس.. وأشياء أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثامن من مارس.. وأشياء أخرى   الثامن من مارس.. وأشياء أخرى I_icon_minitimeالخميس مارس 13, 2008 10:57 am

اشكرك على هذه الصورة الواقعية التي قدمتيها لنا بمناسبة 8 مارس على شكل قصة جميلة احسنت صياغتها و حبكها

تحياتي اليك و الى كل امراة بهذه المناسبة
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فاطمة الحنوني




المساهمات : 57
تاريخ التسجيل : 28/02/2008

الثامن من مارس.. وأشياء أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثامن من مارس.. وأشياء أخرى   الثامن من مارس.. وأشياء أخرى I_icon_minitimeالجمعة مارس 14, 2008 10:33 am

تمتعت كثيرا بقراءة كل جزء من هذه القصة الجميلة التي هي عبارة عن قطعة من الواقع ، خاصة و انك تركت النهاية مفتوحة و للقارئ مطلق الحرية في صياغة النهاية على هواه، و هو اسلوب جميل منك..

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
فاطمة الزهراء المرابط

فاطمة الزهراء المرابط


المساهمات : 172
تاريخ التسجيل : 16/02/2008

الثامن من مارس.. وأشياء أخرى Empty
مُساهمةموضوع: رد: الثامن من مارس.. وأشياء أخرى   الثامن من مارس.. وأشياء أخرى I_icon_minitimeالجمعة مارس 14, 2008 11:45 am

هذا هو الواقع و هذه هي الطرق الاستغلالية الرخيصة التي يتعامل بها ارباب العمل مع العاملات، مستغلين ظروفهن الاجتماعية التي دفعتهن للعمل، فبطلة القصة ليست سوى نقطة ماء في بحر من النساء العاملات، اللواتي يكرسن جهدهن و طاقتن للعمل فقط، فمن اين لهن الوقت من اجل الاطلاع على قضايا المراة او المستجدات التي تعرفها المدونة او القوانين الجديدة التي تم احداثها في الشغل،و البطلة تسال عن 8 مارس .. هذه هي النقطة التي تحاول ان تصل اليها كاتبة القصة، خاصة ان 8 مارس هو العنوان الذي اتخذتيه للقصة و كنت اتساءل و انا اقرا القصة عن سبب هذا العنوان لكن النهاية كان الجواب الاكيد على سؤالي،
اشكركي اختي على الابداع في هذا الموضوع بالذات ما احوجنا الى اثارة مثل هذه المواضيع التي عليها ان تتثار باي طريقة و باي اسلوب ابداعي و قد تفننت بشكل جميل في تقديم هذا الحدث باسلوب قصصي رائع جدا

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
الثامن من مارس.. وأشياء أخرى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نبراس :: قصة-
انتقل الى: