ابراهيم ديب : شاعر الأرض والحياةصخر المهيفsakhr1972@hotmail.comالحوار المتمدن - العدد: 1686 - 2006 / 9 / 27
حواره:صخر المهيفابراهيم ديب : شاعر الأرض والحياة
شعراء البحر
البحر لا يخلو من تراتيل
التراتيل التي تقي الأسماك من النوم
والأمراض
البحر لا يخلو من أحجار
أفرادناها للذكريات
وطيور بعثنا بها نحن الشعراء
كي يتهدهد كتفه الحار
البحر ليس للتعساء
البحر مقدر عليه أن يكون سعيدا الليلة
في قصائدنا
بهذه الأبيات استقبلني الشاعر إبراهيم ديب عندما طرحت عليه إجراء حوار صحفي ونحن جلوس في مقهى ألمرية بفاس، وكان قبل هذا الموعد يؤجل دائما فكرة إجراء حوار صحافي معه إلى حين موعد صدور ديوانه الاول : حجر الملح، وكان له ما أراد.
والشاعر إبراهيم ديب من مواليد سنة1967م بإقليم تاونانت، حاصل على الإجازة اللغة العربية وآدابها سنة 1990 من جامعة ظهر المهراز بفاس، كما حصل على دبلوم الدراسات المعمقةفي النقد الأدبي الحديث من نفس الجامعة في بحر سنة1995.
يعتبر الشاعرمن الأسماء الشعرية المتميزة التي ظهرت خلال فترة التسعينيات في خريطة الشعر المغربي المعاصر، سجل حضوره الشعري في الملحق الثقافي ليومية العلم المغربية
كما في الملحق الثقافي لجريدة أنوال والمنعطف، وقد اصطدته مختليا في مقهى ألمرية وهويخط بقلمه ملحمة التين والأرض والزيتون و يجتر ذكريات المنفى السحيق بصحراء طاطا، حيث القبيلة بكل حمولتها الحضارية متألة في لاوعيه المنحدر من قوة الانتماء إلى الجماعة، وفي الوعي من حيث الانتماء إلى الإنسان المطلق بكل سموه، سألته فأجاب ...وقمت باستفزازه، ولم يتخل مع ذلك عن هدوئه الثاقب وتركيزه العميق.
لماذا الشعر؟
كأنك بهذا لاال تصفعني، الشعر يا صديقي حليبنا الثاني وكأنك تقول لي لماذا تحيا؟الشعر يا صديقي أنقذني من الموت أكثر من مرة وجذبني لقصورالجنون المنذورة للورد والمعجزات ثم رأفة بي، كان يعيدني لأرض جدتي سالما، كسندباد جديد، باختصار، الشعر شكل من أشكال المقاومة، شكل آخر للوجود، وبدونه أشعر بالبرد واليتم.
في قصائد ديوانك الأول(حجر الملح)، لاحظت الحضور الطاغي لمعجم مثقل بمفردات الأرض وما يرتبط بها من أشياء وعناصر كالتراب والأشجار...
الشعراء يا صديقي، كائنات أرضية صغيرة خرجت من رالأرض فلم تجدأمامها سوى السماء، نهضوا من نومهم على وشوشات العصافير وصوت الريح وخطى الأجداد وهم يملأون الكون بصدى رحلاتهم المهيبة التي ما زالت تبهر العالم حتى الآن، هكذا وجدت نفسي ذات صبيحة أنشد قصائدي الأولى للأغنام، أعرف –وينبغي أن تصدقني-أنها كانت تسمح لي بكثير من العمق أكثر مما يتيحه لي البشر، وأحببتها وأحبتني وأغرقتني بقول الشعر، أنا أقول الشعر كي يمتلا العالم بالأزهار والأشجار والماء، ليأخذ كل إنسان مقهور حصته من السعادة.
يتبرم الشاعرالمصري أحمد عبد المعطي حجازي وآخرون بقصيدة النثر وينكرون من ثم على الشعراء الذين ينتصرون لها الكتابة دون قيود الوزن، ماذا تقول وانت من الذين ينتصرون لقصيدة النثر؟
أنا أنتصر للشعر بمختلف أنماطه وأشكاله المتعددة، والشعر من منظور فلسفي هو محاكاة للوجود،والوجود يا صديقي مليء بالأصوات والإيقاعات، موسيقاهلم يكتشفها بعد لا الخليل بن أحمد الفراهيدي ولا زرياب ولا بيتهوفن ولا شباب الراي والهيب هوب الملسوعين بفوضى الوجود.
قصيدة النثر على العموم،إضافة جديدة للشعر العربي وإن كره عبد المعطي حجازي وغيره من أصحاب الطبول والصنوج.
نلاحظ حاليا لجوء الشعراء المحدثين للقصيدة الشذرية بما يشكل موجة، لكني لاحظت كما لاحظ بعض النقاد، أن قصائدك ذات نفس طويل، وابرز مثال على ذلك قصيدتك (وردة البحر)، فما تعليقك ؟
أعتقد أن المسألة أكبر مني، وأصدقك القول أنه ليس اختيارا جماليا أو فنيا صرفا، فالأمر أبعد من ذلك، لقد ولدت في البادية، وتربيت بين أشجار الكالبتوس العملاقةالتي كانت تقع بالقرب من منزلنا، كانت أسمق شجرة في القرية، الجبال أيضا كانت تحيط بالقرية لم تكن بعيدة عنا، فكانت تغريني بالارتفاع عن الارض، الغريب في الأمر أنه في طفولتي لم يكن يجاريني أي طفل في القرية في تسلق الشجر، كنت أتلمسها كاملة حتى أعلى الوريقات، لما دخلت إلى مدينة فاس لأول مرة، أدهشتني بناياتها العالية، وعندما دخلت مدينة القصيدة، انبهرت بناطحات السحاب العربية، أقصد قصائد المعلقات، كانت تجري أمامي رقراقة كماء المنحدرات فكلفت بها كما لو أني كلفت بجارية في قصص ألف ليلة وليلة حتى وجدت نفسي أسير بلا رسنكجواد جدي، بحثا عن أبطال العهود الغابرة: هوميروس وأوفيد وامرؤ القيس والزير سالم وأوكتافيو باث وآخرون.
لاحظت أيضا نفسا حكائيا حاضرا بقوة في قصائدك مثلما هو الأمر بالنسبة لقصيدتك(ثقوب زرقاء) و (تاج العزلة) و (درس الحياة)...
الشعر موجود في كل شيء، في القصة والرواية والمسرحية والتمثال والشجرة والكرسي وفي جلسات الأصدقاءوفراق الأحبة، في الليل والنهار، إنه في كل مكان، وكل كتابة، وكل شيء يخلو من الشعر فهو ميت ومنقرض، الحكايات القديمة كانت تفيض بعسل الشعر، ألف ليلة وليلة مثلا تشتمل على مئات الأبيات، الرواية الحديثة، قبل أن تكون نثرا كانت شعرا ملحميا، والإليادة والأوديسة تشهدان على ذلك، يقول رولان بارث
الحكي قانون كوني) أي أنه يخترق كل شيء وقد يجد له أحيانا مكانا في غرف الشعر العديدة، في بعض الأوقات أتصور نفسي إمبراطورا كبيرا يركب عربة شامخة يجرها حصانان هما الشعر والنثر.
ما تقييمك للمشهد الشعري المغربي الراهن، أقصد بالتحديد جيل التسعينيات؟
أشعر بأن الشعر المغربي يولد الآن، ينهض وينمو.
بمعنى أنك متفائل؟
الغربان والأصوات المشؤومة لا تخيف الشعر والشعراء الحقيقيين، القصيدة الآن، عند الكثير من الأسماء الشعرية الجديدة، هي اشتغال صعب وحفر متواصل بعيدا عن السهولة والاسترخاص والآهات البكماء والأفكار المتقززة التي يحملها البعض في نعش الوضوح، القصيدة – وأكاد أقول عندنا- هي ارتماء في البحروفي المجهول وفي المغامرة، في حرب لا تنتهي ضد الرداءة وما يصيبنا من الشعر والشعر براء من ذلك، أذكر هنا بعض الأسماء التي لا يكاد يعرفها أحد نتيجة انشغال الناس بما يلمع فقط، هم محاربون، يحرثون الجمال بعيدا عن وسائل الإعلام والكاميرات ومشتقات الحداثة من أنترنيت وصحف وشاشات تليفزيون، لأنهم منهمكون في أمور الشعر الجليلة، من هذه الأسماء: محمد العيوني وأحمد شقوبي و محمد بن الشيخ وحفيظ اللمتوني ولبنى المانوزي وأسماء حرمة الله رأفة بالشاعرات أو بما يشبه الشاعرات، إضافة إلى بعض الشعراء الجميلين الذين لا يتوانون عن حمل نار الشعر الأولى مثل سعيد يسف وعبد الرحيم الخصار ومصطفى ملح وأحمد محمدبنيس وصاحب الديناصورات التي تلتهم قبح العالم وسعد سرحان وعدنان ياسين ، وسأصدقك القول إذا قلت لك بأن أمي تقول شعرا زجليا يغريني كثيرا في بعض الأحيان بمحاكاته وحتى بانتحاله .
وهل فعلت؟
وهنا خرج الشاعر عن هدوئه وأضاف بانشراح :
ولأني كنت أحب أمي كثيرا فقد كتبت عنها وكنت أقرأ لها قصائدي فكانت أول ناقدة لي،
ذات مرة أعجبت بقصيدة زجلية كتبتها، فما كان منها إلا أن نهضت بخفة مهرة مسرورة وقبلتني كثيرا كأنها تراني لأول مرة، ثم أخرجت من اثوابها ورقة مالية من فئة مئة درهم ونفحتني إياها مقابل القصيدة، وكان هذا أول وآخر ما تقاضيت عن الشعر.
مساحة حرة :
لا مساحة حرة في هذا الوطن العربي الكبير الأشبه بمعتقل رهيب، الألغام والخراطيش المعبأة بالسم تطارد كل شيء جميل ينبت، الحرية توجد في الشعر والإبداعفقطوفي الأخيرأسلم على كل أصدقائي الشعراء في كل مساحةمن الأرض تبحث عن الحرية، أقصد الشعراء والمبدعين الذين يحرسون الأرض كي لا تنقرض، مع تحية عطر للقادمين بعد ألفي سنة كي يلتحقوا بهذا الموكب العظيم، موكب الشعرأقصد.