فاطمة الزهراء المرابط
المساهمات : 172 تاريخ التسجيل : 16/02/2008
| موضوع: القاص المغربي صخر المهيف.. في ضيافة المقهى؟؟ الأحد مارس 09, 2008 2:42 pm | |
| القاص المغربي صخر المهيف... في ضيافة المقهى؟؟!
( الحلقة ـ 3 ـ ) من أعماق أصيلة... بمقهى زيليس الهادئة... اقتحمت خلوة كاتب مغربي استوطن أصيلة منذ حوالي 5 سنوات.. و هو يحتسي قهوة سوداء.. تمتد أمامه مجموعة من الأوراق البيضاء.. يدخن سيجارة و يحرك قلما في الهواء.. لم أكن على موعد معه... كانت الصدفة هي التي قادتني إلى هناك... و في جلسة غير قصيرة دار بيننا الحوار التالي: من هو صخر المهيف؟
قدم من الرواية... إلى القصة القصيرة... يكتب المقالة السياسية كلما شعر بالحنق على الوطن العربي الذي تطغى على واقعه سريالية كثيفة.
ماذا يمكن أن تقول لنا عن تجربتك الإبداعية؟
تجربة متواضعة لكني افتخر بها، أعتبر كل تجربة إبداعية جديدة في مسيرتي بمثابة مغامرة خطيرة، و في النهاية أقول بأن النقاد هم الأولى بالحديث عن هذه التجربة.
كيف ترى فضاء المقهى؟
تختلف فضاءات المقاهي من واحدة لأخرى بحكم الموقع و التجهيز، هناك مثلا مقاهي ثقافية على الرغم من أنفها، حتى لو لم تحتضن أي نشاط ثقافي و ذلك لمجرد أن موقعها بالقرب من معلمة ثقافية يجعلها ملتقى للمثقفين و الفنانين و الفاعلين الجمعويين. إذ تشهد فضاءات هذه المقاهي اتفاقات لإنجاز مشاريع ثقافية مختلفة، هناك مقاه يرتادها مقاولو البناء و أخرى سماسرة السيارات، باختصار، المقهى فضاء عمومي متعدد الوظائف و فيه يقضي المرء مصالح شتى، إنه مجتمع مصغر و تظهر فيه مختلف تناقضات المجتمع، و لا يجب أن نغفل أن المقاهي خاضعة للتقسيم الاجتماعي للعمل، و طبيعي أن تتعدد وجهات النظر الى المقهى لتنوع الوظائف التي تؤديها، إنها مرفق اجتماعي تتفاعل داخله علاقات مختلفة في إطار بنية اجتماعية يتفاعل كل عنصر منها مع عناصرها الأخرى. في بلادنا العربية، لازالت كثير من المقاهي محظورة على النساء خصوصا في الأحياء الشعبية، و من ثم فهي فضاءات خاضعة لتجسيد مفاهيم سوسيولوجية و انتروبولوجية معينة، مثل مفهوم تقسيم المجال بين الرجل و المرأة التي ما إن تقتحم فضاء الرجل في مقاهي الأحياء الشعبية حتى تتصدى لها الألسن و العيون الجائعة، غير أن الأمر يختلف في مركزالمدينة حيث تجلس المرأة في المقهى و حيدة دون مضايقات.
ماذا تمثل لك المقهى؟
إنها بيتي الثاني و مكانا أكتب فيه مقالاتي و قصصي، مكانا أتوحد فيه مع ذاتي، هي الكهف الذي أختلي به بنفسي لأتعبد حيث أقف أمام محراب الكتابة خاشعا، مكان أتثقف فيه من خلال مطالعة الكتب، و سواء تعلق الأمر بمقهى النخلة أو مقهى الفجر أو الانتصار بفاس أو مقهى الأمنية بمدينة صفرو و مقهى القدس بمدينة تادلة أو مقهى الميناء أو زيليس بمدينة أصيلة، فإن ارتباطي بها تجاوز علاقة الزبون بالمكان، لتستقر في نوع من الارتباط الروحي، الذي يتعدى البعد الفيزيقي في العملية لقد شكلت لي المقاهي من جهة أخرى مكانا للتأطير السياسي و الإيديولوجي للمناضلين اليساريين، و ما يتطلبه ذلك التأطير من تحضير للمظاهرات التلاميذية في كامل السرية بمقاه لا تخطر على بال، و هي المظاهرات التي كنا نؤ طرها في مطلع شبابنا انتصارا للقضايا الاجتماعية القومية.
إلى أي مدى يحضر المقهى كفضاء في إبداعاتك؟
لابد أولا أن أشير إلى أن مفهوم الفضاء أعم و أشمل في الفنون الزمنية من المكان خلافا لما هو عليه الأمر بالنسبة إلى الفنون البصرية، لأن الفضاء يشمل الزمان و المكان في الفنون الأولى، أما بخصوص حضور مكان المقهى في قصصي، فإن المتلقي لأعمالي القصصية على الخصوص سيجدها حاضرة بكل قوة في مجموعة من تلك القصص، في قصة " ذكرى " مثلا يقتصر حضور المقهى على المطلع، و في قصة " رشفات من فنجان أسود " يصطدم القارئ بمقهى تستوعب كل أحداث القصة بما في ذلك عملية استرجاع ذكريات ما، و هو نفسه الفضاء الذي تتحرك فيه العوالم النفسية للبطلين و تتفاعل فيه أما في قصة " الجاسوسة "، فالفضاء يندغم بالزمان حيث السفر في الذهن يبقي مشرعا على حتمية الصراع الأبدي بين الرجل و المرأة، بيد أن الأمر يختلف بالنسبة إلى قصة أيام التي لم تنشر بعد هي القصة التي يأتي فيها ذكر مقهى " لاشومير" كمكان لجأ إليه بطل القصة هروبا من ذاته باعتبار ذلك المكان جاء تتويجا لحنين عارم نتيجة تفاعل مشاعر متناقضة، و لا يغيبن عن بالك بأن حضور المقهى في الأعمال الأدبية هو حضور متميز بصفته معطى ثقافيا، يختزل كثيرا من أنماط السلوك الحضاري الخاص بشعب ما استنادا إلى المفاهيم الانتروبولوجية، كما أن حضور المقهى يتميز من جهة أخرى بكونه معطى سوسيولوجيا إذا أخذنا بعين الاعتبار نوعية الرواد و طبيعة العلاقات التفاعلية بينهم، و بإمكان السوسيولوجي مثلا أن يستأنس في دراسته لظاهرة المقاهي مثلا بالقصص القصيرة و الروايات إلي يرد فيها ذكر المقهى.
لماذا اخترت هذه المقهى " زيليس "؟
الحقيقة أني لم أختر هذه المقهى، لقد فرض علي ارتيادها بقوة الأشياء، و كما تلاحظين، فإن هذه المقهى من مرافق فندق زيليس المصنف، حيث يقل روادها، بل ثمة ساعات كاملة أقضيها وحيدا بين جدران الأربعة لا أسمع فيها إلا وقع النادل أو خرير المياه المنسابة من ثقب الجدار المقابل لنا ليملأ المسبح المطلي بزليج صغير أزرق فاتح... تتميز هذه المقهى بوجود ثلاثة أمكنة : مكانان مغلقان الأول صغير و الثاني فسيح، و مكان ثالث مشرع على السماء و يضم المسبح و الرصيف الذي يضم كراسي و طاولات يجلس حولها الرواد، تعدد الأمكنة هذا يعطيك فرصة اختيار المكان المناسب للجلوس حسب الميول النفسية و الأحوال الجوية، فاحتساء القهوة بالقرب من المسبح في يوم ربيعي مشمش لا تهب فيه ريح و قراءة كتاب مع الاستماع إلى موسيقى عذبة سيمنح المرء و لا شك إحساسا لا يقاوم بالهدوء و التركيز، دون أن ننسى أن مقهى زيليس بأصيلة مزودة بأكبر شاشة تلفزة مسطحة في المدينة على الإطلاق تتيح للمرء مشاهدة أخبار الجزيرة و رقصات جميلات روتانا، و في هذه المقهى بالضبط، كتبت معظم فصول روايتي المخطوطة " قصة حب غير عادية " و في فضائها أيضا كتبت معظم قصصي القصيرة الأخرى. أعني بها " الحمار" و " الجاسوسة " و" الكبش" و" البغل" و ذلك بعد توقف دام ثلاث سنوات كاملة صمت خلالها عن كتابة القصة القصيرة وكانت بمثابة وقفة تأمل ذاتية بالنظر إلى أن أي تراكم فني يستحق مثل هذه الوقفة، من جهة أخرى فإني أرتاد مقهى زيليس صحبة ضيوفي من الشعراء و الكتاب الذين يشاركون في الأمسيات التي أقوم بتنشيطها بفضاء المطعم الثقافي الأندلسي بعد انتهاء زمن هذه الأمسيات. كما أن ضيوفي من الأصدقاء الذين يقومون بزيارتي بعيدا عن صخب الأمسيات لا بد أن أجالسهم في ذلك المكان، على أنه لابد من التنويه بأني كنت من رواد مقهى الميناء التي أغلقت أبوابها، في تلك المقهى التي كان المرحوم الشاعر كريم الحوماري من روادها الأوفياء إضافة إلى عد من الوجوه الأدبية و الفنية المقيمة بالمدينة كإدريس علوش و يحيى بن الوليد و رشيد مرون، في هذه المقهى كتبت بعض المقالات حيث كان الكورنيش يقع في مرمى بصري و حيث كانت زرقة مياه الصغير تتوحد مع زرقة البحر، و لابد من الإشارة إلى أن الصفحات الثلاث الأخيرة من روايتي المومإ إليها أعلاه قد كتبت في مقهى افران و فرغت منها على الساعة الرابعة و النصف ذات صباح من مصطلحات غشت الفائضة.
ماذا تمثل لك الكلمات التالية: الوطن، المرأة، الكتابة؟
الوطن: غدر به. المرأة: سلعتها الرأسمالية، لأنها لازالت تباع و تشري. الكتابة: الحياة.
كيف تتصور مقهى ثقافية نموذجية؟
مقهى بها كتب مصففة بها جناح خاص بالمدخنين و آخر بغير المدخنين و حديقة مفتوحة على السماء تزينها ورود و أزهار و مجهزة بكل وسائل الاتصال الحديثة. ولا بد أن تكون مجهزة بمنصة لإلقاء القصص و الأشعار و مجهزة بمايكروفون و آلة قيثارة و ناي وعود لتمر الأمسيات الثقافية في أفضل الأجواء، و حبذا لو تم تخصيص مكان بشرب الجعة الباردة بأثمنة مشجعة لتمر عملية القراءة و الكتابة في أفضل الظروف و الأجواء. | |
|