سوسيولوجيا الشباب : من الانتفاضة إلى سؤال العلائق
عبد الرحيم العطري
باحث في علم الاجتماع من المغرب
يقول اميل دوركهايم في كتابه تقسيم العمل الاجتماعي بأنه ليس هناك من إمكانية لتأسيس علم ما خارج الجرأة ،ولكن بواسطة المنهج ذلك أن الانفتاح الجري والمستمر على مختلف التضاريس المجتمعية في إنتاج معرفة رهينة، وفهم مختلف للواقع الاجتماعي .
إن الجرأة المنهجية شرط وجودي لإنتاج سوسيولوجيا نوعية تهفو إلى تحليل وفهم الظواهر الاجتماعية ، وهي التي تدعو إلى تشييد سوسيولوجيا الشباب كفرع تخصصي يمكن أن يسعف في تقديم إجابات محتملة عن أسئلة وقضايا الشباب كفئة عمريه اجتماعية تحتل مكانة بارزة في النسيج المجتمعي سواء بالنظر إلى حضورها الكمي أو اتصالا بإشكالياتها المفتوحة على عوائق الإدماج والثقافة والعوائق المفترضة والمستحلية مع باقي مؤسسات وفئات المجتمع .
لكن ما هي الرهانات الكبرى لسوسيولوجيا الشباب ؟ ما هي أسئلتها المركزية ؟ ما هي آليات اشتغالها وطامح اشتغاله ؟ فضلا عن عوائقها الإبستيمولوجية وإمكانيتها المنهجية وحدودها المعرفية؟
الشباب أولا
وبدءا نتساءل ما الشباب ؟ أو من هو الشباب؟ أهو مجرد كلمة كما ذهب إلى ذلك بيير بورديو؟ أم أنه يؤشر على فئة عمريه اجتماعية لها من الخصائص ما يجعلها متميزة عن باقي فئات المجتمع ،محققة جانبا من الاختلاف نوعا ودرجة؟
لقد انتهى بعض السوسيولوجيين في بداية السبعينيات إلى تحديد عمري للشباب يتراوح مابين 15و25سنة، وهذا التحديد الذي تم تبنيه كإطار فردي للسنة الدولية للشباب لسنة 1975. وهنا و الآن تقوم اللجنة الوطنية المسؤولة عن تنظيم مهرجانات منتدى الشباب المغربي للألفية الثالثة بالانضباط لنفس التحديد، وكأن من يخرج عن هذه المسافة العمرية ليس شابا ؟
إن التعامل مع الظاهرة الشبابية من الوجهة العمرية ينطوي على كثير من اللبس و الاختزال بل انه يؤدي إلى إقصاء فئات عريضة من الشباب ،وهذا ما يجعل توصيف الشباب عملية محفوفة بالمزالق العلمية و لهذا نتساءل مرة أخرى ما هو الشباب أو من هم الشباب؟
فإلى جانب المقاربة العمرية هناك المقاربة البيولوجية النفسية التي تتوكأ في تحديدها الواقعي للشباب على تلك الملامح والتطورات الفيزيولوجية التي تبصم لحظة الانتقال من الطفولة إلى الشباب ومنه أيضا إلى النضج أو الشيخوخة.ومن جهة أخرى يحاول التحليل السوسيولوجي تقديم تعريف محدد لكلمة الشباب والتي تظل مجرد كلمة على حد قول بيير بورديو،ودلك اعتبارا للصعوبات التي تطرحها مسألة التعريف ذاتها، ولعل هذا ما جعل بورديو يعتبر الحدود بين الأعمار أو الشرائح العمرية حدودا اعتباطية ، فنحن لا نعرف أين ينتهي الشباب لتبدأ الشيخوخة مثلما لا يمكننا أن نقدر أين ينتهي الفقر ليبدأ الثراء(1) وهذا يعني أن الفئات العمرية هي بالضرورة نتاجات اجتماعية تتطور عبر التاريخ وتتخذ أشكالا ومفاهيم ارتباطا بالأوضاع والحالات الاجتماعية .تماما كما أن لكل مجتمع قيمه وعقله الجمعي الذي ينضبط إليه ويحتكم إليه فإن له مفهوما خاصا للشباب وتحديدا اجتماعيا لخصائصه وتحولاته، بل إننا نجد داخل المجتمع الواحد أكتر من مفهوم للشباب وذلك كله في اتصال وثيق مع ما يعتمل داخل هذا المجتمع ويتفاعل فيه ،والنتيجة في النهاية شباب لكل مجتمع مختلف نوعا ودرجة عن شباب أي مجتمع ،ومنه نصل إلى التأكيد على أن لكل شباب قضاياه وأسئلته التي تتنوع بتنوع المجتمعات ، وهذا ما انتهت إليه مار كريت ميد في دراستها لقبائل ساموا مؤكدة على أزمة المراهقة والشباب التي تلوح بقوة في المجتمع الرأسمالي تكاد لا تبين في هذه القبائل ،نظرا لبساطة هذا المجتمع وسهولة المرور إلى سن الشباب (2) فالشباب في ساموا * ليس هو الشباب في أمريكا و ليس هو الشباب في العالم العربي . وهذا يعطي للمقاربة السوسيولوجية لمفهوم الشباب و جاهه نسبية مقارنة مع المقاربة العمرية السيكولوجية التي تشتغل تحديدا على المراهقة واضطراباتها النفسية، ليبقى الشباب مجرد كلمة أو نتاج اجتماعي تتحدد أو يتحدد بشروط مجتمعية معينة. .ولعل هذه الصعوبة المفاهيمية التي تطبع مفهوم الشباب هي التي جعلت محمد شقر ون يتخلى عن مفهوم الشباب لصالح مفهوم اكثر إجرائية من الناحية العلمية ألا وهو مفهوم المرور إلى سن الرشد (3)
وأملا في استجماع خلا صات هذه المقاربات المفاهيمية للشباب يمكن القول بأن الشباب يبقى مجرد ظاهرة اجتماعية محددة سلفا بشروط إنتاج وإعادة الإنتاج الاجتماعي في مجتمع معين ، واعتبارا لكونها ظاهرة أو معطى اجتماعيا فهي تشير إلى مرحلة عمريه تأتي بعد مرحلة الطفولة ،وتلوح خلالها علامات النضج البيولوجي والنفسي والاجتماعي . وجدير بالذكر بأن كل تعريف اجتماعي للشباب يظل مرتبطا بشروط إنتاجه الاجتماعية،فكل عقل جمعي ينتج شبابه ويحدد احتمالات الارتقاء الاجتماعي إلى هذه الفئة أو السقوط منها،بحيث يبقى لدرجة التعقيد المجتمعي دور حاسم في تحديد الارتقاء أو السقوط . فعن أي شباب نتحدث ؟ و لأي مجتمع نتوجه بسؤالنا؟ و أي مفهوم للشباب يتوجب الارتكان إليه في اشتغالنا هذا ؟
أهمية الشباب
فهل ثمة مبرر لكل هذا الانشغال المعرفي بالظاهرة الشبابية ؟ و هل وقع اكتشاف الشباب كفاعل مجتمعي فقط مع حدوث الانتفاضة و تداعياتها ؟ أم أن الوعي بأهمية هذا الجيل غارق في القدم ؟
إن انتفاضة 68 و غيرها من الحركات الاحتجاجية الشبابية التي اجتاحت العالم من بعد ، لم تأت لتؤكد أهمية الشباب في المجتمع ، ولكنها كانت بمثابة ناقوس خطر يحذر من تبعات الإقصاء و الإهدار القصدي لطاقات الشباب و إبعادهم من دوائر صنع القرار . فالمجتمعات كلها تعي جيدا إمكانيات هذه الفئة و لكن زوايا النظر إليها تختلف و تتناقض تبعا لمصالح مالكي وسائل النتاج و الإكراه في هذه المجتمعات . و هكذا يغدو الشباب طاقة إنتاجية أو قوة عسكرية أو احتياطي انتخابي أو مجرد طاقات معطلة وفق حسابات هؤلاء المالكين . و في جميع الأحوال لا يمكن القول بعدم أهمية الشباب في المجتمع ، فكثيرة هي العوامل و المعطيات التي تؤكد هذه الأهمية و تسجل للشباب حضور يته و ضرورته الوجودية بالنسبة لاستمرار الشريط المجتمعي .
لقد أشار تقرير حول الشبيبة في العالم قدم للجمعية العامة لليونسكو إلى أن فجر الألفية الثالثة سيصل فيه عدد الشباب إلى أكثر من مليار و 28 مليون شاب و شابة تتراوح أعمارهم ما بين 15 و 24 سنة يعيش ثلاثة أرباعهم بالعالم الثالث ( 59 مليون بإفريقيا و 322 مليون بآسيا ) (1). و في المغرب تحديدا هناك أزيد من 9 مليون من الشباب تتراوح أعمارهم ما بين 18 و 25 سنة (2 ) . فالشباب في المجتمعات الثالثة يشكل قوة ديموغرافية تلعب دورا أساسيا في موازين القوى .فالوزن الديموغرافي يبرز جانبا من هذه الأهمية التي يحوزها الشباب ن إلا أن الخصائص النفسية و الاجتماعية التي تبصم هذا الجيل تساهم فعلا في إبراز ملامحها ، فرهانان البحث عن الذات و تأكيد الحضور تجعل الشباب أكثر عطاء و فعالية ، و لعل هذا ما جعل المجتمعات الأقل تعقيدا تحتفي بالشباب في شكل طقوس و احتفالات إعلانا للمرور الاجتماعي إلى جيل الكبار .