الكابوس(قصة)

الكابوس11*



كانت زوجة الأستاذ سلام تشتهي لحم الغزال. اشتدت نار '' الوحام'' في أوصالها، فلم تطق لذلك صبرا، فألحت على زوجها كي يحضر لها ذلك بكل ما أوتي من سرعة ضوئية.
طار الأستاذ كالسندباد في الفضاء، فركب السهل والجبل، الصواعد والنوازل، الرياح والسحاب، البرق والرعد، الشمس والمطر... حتى ألفى نفسه في قلب غابة متوحشة بخطر الحيوانات الكاسرة وزمجرتها الشرسة.
للحظة عم المكان سكون مرعب وقد بدا شموخ الأشجار فوق رأسه كأطياف خرافية مظلمة تغمر هذه اللحظة بالرهبة من عواءات البوم وهي تقذف نذور الشؤم من عيونها الماكرة.
البندقية مصوبة واليدان ترتعشان. بحذر شديد وبتركيز شاق، أصاب سلام الهدف. حينها اتجه بسرعة نحو الغزالة، فانقض عليها ومزق عنقها، ثم جز فخذين حملهما على كتفه وقفل لتوه عائدا.
وبينما هو في الطريق، كانت الذئاب تتعقب خطواته في تربص. التفت وراءه ، تملكه ذعر قاهر، ومن شدة الهلع شرع يجري بكل ما يملك من قوة وجهد.
سلام يبتعد والذئاب تقترب أكثر، هو يشد بقبضة يديه المرتعدتين على الفخذين، والذئاب تزداد ﺇصرارا على الظفربها فتقترب منه أكثر فأكثر وتتقافز حوله في هياج وتأهب للٳنقضاض.
في تلك اللحظة كانت الأنفاس تتضاغط بعنف حاد داخل قفص صدره كما لو أن أحدا يود خنقه، فلم يخلصه من رعب الموقف سوى صوت زوجته وقد صفع أذنه بالصراخ:
- اطلق يدك من رجلي أسلام، راك دبرتيني، اطلق يدك، آش بك أسلام، بسم الله عليك!
أما سلام، فقد كان متورطا ومعرقا ومشتبكا داخل البطانية، وبالكاد تنفس الصعداء وشرع يحكي ببطء لاهث ما رآه في المنام.
كان حديث الزوجين يتجول في ربوع كل التفسيرات الممكنة لهذا الحلم اللعين.
قالت الزوجة: لا شك أن فخذي الغزالة تدلان على الخير، ألست حاملا وفي شهري الثاني، وقد نرزق ٳن شاء الله بتوأمين.
ازور سلام من الغضب وصاح في وجهها:
- انت غ تبقاي ديما هكذا، الأفكار ديالك بحال شي مسن قاصح، واش احنا ناقصين ولاد حتى نفكروا فالتوام! يا للمصيبة ! هذا لا يصح!
وكمن يقبض على المغزى الخفي للتفسير الأقرب ٳلى الحقيقة، توقف للحظة شاردا ويداه مشتبكتان في رأسه، ثم قال:
- لا شك أن عواء الذئاب يعني الغدر، أما فخذي الغزالة فلا يمكن أن تدلا ٳلا على سلم 11 .
- وكيف عرفت ذلك؟ سألته الزوجة في تلقائية.
- أنت تعرفين أنني منشغل هذه الأيام بشأن الترقية، وفي الصباح الباكر، لما كنت في طريقي ٳلى العمل، أصبت بتوعك حاد في المزاج عندما قرأت في ٳحدى الجرائد، بلاغا كابوسيا اعتصر أمعائي الفارغة كما تعتصر فناجين القهوة السوداء.
لقد وجدت: ″ ... ٳن الحكومة عازمة على تقديم ٳعتذارها الرسمي عن عدم الوفاء بالتزاماتها المالية بخصوص ترقية أساتذة التعليم الٳبتدائي ٳلى سلم 11 نظرا للعجز المالي الحالي وكذا المستجدات الطارئة في القضية الوطنية. وبه الٳعلام والسلام.″
وٳني لألحظ الآن- يقول الراوي- غضبا عارما يتطاير من حمرة العيون والشفاه تتوعد والأعصاب تشتد وتنقبض، لكن قبل أن تشهروا مسدسات تذمركم، ما دام الأمر يتعلق بالمال وما أحوج كائنات الوظيفة العمومية ٳلى المال، أنصحكم أن تتمهلوا قليلا وتستلقوا على ظهوركم وتبحلقوا ملء العيون في غموض السماء، ثم اسمحوا لي كي أتسلل برشاقة ٳلى كواليسكم المنزعجة لأخبركم بالنهاية.
لم أنجذب بالمرة لمتاهة الحلم، فقط تأبطت القصة واندفعت مهرولا نحو مقر الجريدة. وفي الطريق، اعترض سبيلي أحد المهووسين بتسلق السلالم وهو يصرخ في وجهي ويحذرني:
- ٳياك ثم ٳياك أن تنشر القصة، فالحلم الوحيد القابل للتحقق في هذه الأرض السعيدة هو الكابوس..!
* محمد جزار