صخر المهيف مشرف
المساهمات : 8 تاريخ التسجيل : 22/02/2008
| موضوع: الجاسوسة " قصة" السبت مارس 01, 2008 9:04 am | |
| الجاسوسة غادر مكانه غاضبا واتجه نحو الكونطوار ليحضر ماءا باردا كان النادل يصفي الحساب مع بعض الزبناء في الخارج وهم يهمون بالمغادرة ّ وما لبث الرجل أن استوى في جلسته وقد ارتوى ثم اتجه صوب مخاطبه محدقا كان الآخر ينظر إليه باهتمام وقد بادره قائلا : _إني أستمع إليك . -أنا حائر. فرد عليه : -ما الخطب ؟ -زوجتي تتجسس علي ؟
-تتجسس عليك ؟ ! لماذا ؟ -عيناها لا تكفان عن الشك بي. -ربما كنت واهما يا صاح... -أنت لا تعرف شيئا..فقد اضطرت إلى إغلاق درجي مكتبي بالمفتاح ... ثم صاح منفعلا : -أتشك في كلامي ؟ -كلا كلا يا عزيزي، إني لا أتغيى غير مساعدتك. -طيب _ أقترح عليك أن تجيب عن بعض الأسئلة، ربما توصلنا إلى حل لمشكلتك وقد عرفنا مكمن الداء، -سأجيب بما يسمح به المقام... -أكنت تنشد الحب أم الزواج ؟ -مال نحوه مندهشا: لماذا ؟ -لقد وعدتني -الاثنين يا رجل ! -لقد طلبت الكمال! أنت طماع . -ألا أستحقه ؟ فلم لا أطلبه. -قد نلت ما طلبته . -ما أشقاني بزوجة لا تثق بي. -ألا تكون مبالغا في دعواك ؟ -لقد قرأت عينيها يا رجل ، ألا تفهم ؟ -وهل للعيون أبجديات. -إني لا أمزح. -ماذا ذنبها إذا كانت تغار عليك. -أصغ إلي ولا تقاطعني. -سامحني مادمت متعودا على تفاهاتك! -تعودت أن أدخل البيت في الأيام الأخيرة ، فتقابلني ببرود وشيء من الجفاء، قلت لنفسي إنها في أزمة عابرة ولم ألق للأمر بالا حتى استفحل الوضع ذات مساء لما عدت إلى البيت ووجدتها تنتظرني كالعادة، لكنها في هذه المرة طفقت ترنو إلي بعينين جامدتين لا يرتجف لهما جفن ، أطل الحزن من شرفة عينيها متوهجا، لذلك خمنت أني أخطأت في حقها دون أن أدري... -ما أعرفه حق المعرفة ، أنك كثير الحماقات ... -دون أن ترد على تحيتي أسرعت لتحضر اللمجة ، شعرت بالارتباك يعتمل في داخلي، عادت وجلست بجانبي دون أن تنبس ببنت شفة ، طبعا ، فقد تذرعت بالصمت وقد ألفيتها ترنو إلي بطرف عينها تارة ، وإلى المزهرية الجاثمة هناك بالقرب من الباب تارة أخرى، راودني إحساس غامض لكنه صادق بأنها تريد أن تحضنني وتشنقني في ذات الوقت ... -لعلها العادة الشهرية ! -كلا . _لم أفهم شيئا ، قالها ثم هز رأسه وتمتم : -أتسمح لي بأن أسألك مجددا .. -تفضل ! دون سخافات من فضلك . -أنت تعتقد بأن زوجتك جاسوسة ... -ما في ذلك شك. -طيب، أتسترق منك السمع حينما ترد على الهاتف ؟ _كلا . -هل ضبطتها يوما تبحث في ذاكرة هاتفك المحمول عن اسم أو رقم ؟ -مطلقا . -هل سبق أن زارتك في مقر عملك على حين غرة منك ؟ -لا أذكر... -أجب بنعم أولا. -كلا. -هل سبق لها أن تبرمت بأي مكالمة تكون قد وردت عليك من إحداهن ؟ -لا ، هي تعرف قبل الزواج أني بحكم موقعي ، أعرف نساء كثيرات واتصلاتهن بي لن تنقطع ، وتفهمت الوضع... -هل حاولت ذات مرة أن تثنيك عن الخروج ؟ -لم تفعل يوما ما ، ثم إني آخذها إلى أغلب الملتقيات التي أدعى إليها . -لقد حيرتني ، فأنت زوج سعيد دون أغلب المبدعين من معارفنا . _إني لا أرى رأيك .. -وأنى لك ذلك وأنت الأعمى ...أقصد أعمى البصيرة ... -عليك اللعنة... -خذ مثلا صديقنا الثخين، فزوجته تطلب منه أن يتخلص من أي رقم يعود للنساء ، لا يهمها أن تكون المعنية صحافية تود أن تجري حوارا مع زوجها أو ناقدة يهمها أن تتعرف إلى تجربته عن قرب في مرسمة ، يجب أن تشكر الأقدار يا رجل ، فصديقنا لا حق له حتى في قنينة جعة .. -بخصوص هذه النقطة ، فقد عرفتني زوجتي سكيرا قبل الزواج ، إن أقصى ما تفعله هو أن ترجوني أن ّأشرب بالقرب منها إذا كنت راغبا في الشرب، وأذعن لرغبتها في الغالب الأعم ، فتهيئ لي كل شيء : الموسيقى التي أعشقها والسمك المقلي إضافة إلى الفجل والزيتون الحامض المخلل والكاوكاو ، وإذا كانت الميزانية تسمح ، بالأخص عند بداية كل شهر ، تشوي الكفتة على نار هادئة ثم تقوم للرقص... -هذا ما نسميه نحن بالحداثة في أبهى صورها . -هراء ... تابع قوله : -حداثة معجونة بروح شرقية عتيقة ... ! _سمها كما شئت . -وماذا عن الفراش ؟ -يا ملعون! -عليك أن تجيب بوضوح . _يحدث النزال كل ليلة تقريبا ... -تقريبا يا حيوان . رد بزهو : -أجل . -لازلت مرتابا ... -لم أقل كل شيء بعد، ففي ذلك المساء المشؤوم، انتظرت حتى أفرغ من تناول اللمجة حتى تواجهني بالسؤال عن امرأة خاطبتها بالسمراء. -هل ضبطتك متأبطا ذراع إحداهن ؟ -ليس من شيمي أن أخون زوجتي، وليتها كانت زوجتي فحسب. -هل سألتك يوما فيم تنفق أموالك ؟ -ولم تسألني ؟ إني أضع بين يديها كل أجرتني الشهرية وأسحب منها ما أريد دون مشاكل فكان جزائي أن تتجسس علي ؟ -يالها من مأساة. -إني لا أمزح. -تكاد تصيبني بالجنون. -عندما يظهر السبب ، يبطل العجب. -ربما ؟ -ما إن نظفت الطاولة حتى جلست أمامي القرفصاء على الأريكة، ولم تلبث أن هرعت إلى غرفة النوم وأحضرت ورقة رمت بها إلي ثم طلبت مني أن أقرأها بصوت عال، من المضحك أني نسيت أن أسألها كيف حصلت عليها ، أذعنت وشرعت أقرأ بصوت مسموع لا ينقصه إلا الارتجاف ، أخرجتني من حالة خشوع احتوتني كل الاحتواء ، صاحت بأعلى صوتها وعيناها تلمعان بحدة كأنها ضبطتني متلبسا بالجرم المشهود |، نزعت مني الورقة... -توقف من هي التي تتوجه إليها بالحديث في هذا الشطر : بأناملك السمراء لا تقربي رسائلي إن لمستها ... أحرقتك شراره وأبتلعك سري إلى حيث لاقراره قلت لها بذهول : _أعني شراره ردت ممتعضة : -قد آلمتني... ثم ألقت بالورقة على المائدة ... -قد أحترقتني فصحت محتجا: -إنه شعر، ألا تفهمين ؟ هو شعر يؤول ولا يفسر! جحظت عيناها ، بدت غير مقتنعة بإجابتي ، استفزتني نظراتها فصرخت بأعلى صوتي : -إنه خيال . بيد أنها تمادت في غيها وعلقت بصوت غاضب أكثر حدة : -أثمة خيال لا يركن إلى واقع ؟ -لم أعلم أنك صوت من كبار نقاد الأدب ! - لا تغير وجهة الحديث ، ألم تنبئني أن الواقع منبع ثر للخيال ؟ -علمته الرماية ، ولما اشتد ساعده رماني . -لا تتهرب. -ألم تسمعي بمذهب في الأدب يعتقد بالفن من أجل الفن . -لا تناور، فأنت لا تنتصر لهذا المذهب وكثيرا ما تبرمت بدعاته. -لنستنجد إذن بنقاد الأدب، علهم يفصلون بيننا. انتفضت واقفة وقد نفشت شعرها كما يفعل الديك عندما يشعر بالزهو، جحظت عيناها المصوبتان نحوي مثل المدفع. -كف عن السخرية وأخبرني عمن تكون السمراء الملعونة ...هذه المرة سأكتب أنامل شقراء... -لازلت تحن إلى زميلتك إذن.. -لقد انتهى أمرها، انتهى ، حتى إني لا أعرف أي جحيم ّآل إليه مصيرها بعد تخرجها أتفهمين ؟ -لا تخدعني...إن أناملي ليست سمراء... -اصمتي... لا تفضحيننا أمام الجيران . -ليسمعوا.... ثم قربت أناملها من مرمى بصري ، بصرتها بنظرة عابرة ثم حولت نظري إلى اتجاه آخر وقلت متذرعا بالهدوء ، كان لابد من أن أقوم بهجوم مضاد. -من سمح لك بفتح درج مكتبي ؟ -لماذا لم تعد تقرأ علي قصائدك ؟ -هل هذا ضروري ؟ عادت إلى هدوئها ... -أجل... -من الآن فصاعدا سأغلق درج مكتبي بالمفتاح . -سأكسره . استبد بي غضب جامح وأخذت ذراعها بقبضة يدي ، صرخت من الألم ، وجدتها فرصة لأفرغ ما تبراكم في نفسي من توتر وصحت فيها : -سأكسر ضلوعك، افهمي أن هذه القصيدة كتبتها خصيصا لصديق ملحن . قالت بعدما تخلصت من قبضة يدي وابتعدت عني .... -منذ متى صرت تكتب تحت الطلب ؟ ذا أنت ترى يا صديقي أي تعاسة أعيش ، تعاسة بحجم القرف ، حتى إني اضطررت ذات يوم إلى حذف اسم شهيدة لبنانية من إحدى قصائدي تقية وتورية ، وكانت هذه الشهيدة قد فجرت عام 1982 مبنى مقر قوات المارنيز بلبنان وقتلت ثلاثمائة جندي من أعدائنا الفرنسيين والأمريكان ، لقد مرغت بسيارتها المفخخة أنف أمريكا في التراب فاضطرت إلى سحب قواتها من جبال الأرز. -ولماذا حذفت اسمها ؟ -اسم الشهيدة يطابق اسم جارتنا الجميلة ... المطلقة ... _وهذه المشكلة أخرى . -عويصة ... -بيد أنك مخطئ ... -لا تتجنى علي يا صديقي... -ما كان لك أن تخبرها عن ماضيك، -ما كان كان. -ما كل شيء يقال للمرأة. -لا راد لقضاء... لا أعرف كيف أخذت شعرها بين يدي بعدما وجدت من تماديها ما جعل الدم يغلي في عروقي، رمقتني بخوف، دفعتها بعيدا عني وكسرت المزهرية حتى لا أكسر جمجمتها، صفقت الباب بعنف وتركتها تبكي وأنا ألعن أول يوم التقينا فيه. -هكذا تكون رقة الشاعر وإلا فلا... -ما كان سفك الدماء يمنع عنترة من أن يتغزل بعبلة، ألا ترى غزله من أرق ما نظمته العرب؟ -يا لك من مفتر. -هي السبب، فقد مسكت نفسي أكثر مما ينبغي، إن قلبي يرق لها كلما رأيت في نفسي شدة، لكنها في هذه المرة تمادت في غيها، وجعلتني أغادر البيت في منتصف الليل، استضافني صديقنا الأعزب، ما أحلى العزوبية يا صديقي، لقد استمتعت في ضيافته بالخمر والسهر كل المتعة، لا أخفي عنك أنني كنت أزداد شوقا إليها كلما مر الوقت. -أرجو أن تكون المياه قد عادت إلى مجاريها. -ما إن وضعت المفتاح في قفل الباب حتى هرعت إلى فتحه، رأيت الدمع محتقنا في عينيها لم يجر، قبلتها، تعانقنا، كان صمتها مطبقا وشعرها ناعما يبرق تحت أنوار خافتة وعطر جيدها فواحا، جلست في البهو، أما هي فاقتعدت بجانبي ولم تكف عن التحديق بي كأنها كانت تستكشف في ملامحي شيئا غاب عنها وما لبثت أن اختفت بعض الوقت في غرفة النوم قبل أن تلتحق بالمطبخ وتحضر لي العشاء، ظلت صامتة، باتت تمدني بأجود ما في الطبق، اعتنت بي كطفل صغير تاه عن أمه وهي تأخذ ملابسي إلى آلة التصبين، وما إن غصت بأناملي في أدغال شعرها حتى أرخت رأسها إلى الوراء فلامست رقبتها راحة يدي وبدت لي كأنها تتأمل الثريا المعلقة في سقف البهو، طفقت أقرأ لها قصيدة قديمة كانت تعرف أنها كتبت لها، أصغت إلي باهتمام شديد، عبثت يمناي بأذنيها ثم حضنت خدها، وصلتني أنفاسها متقطعة حارة جيشت عواطفي المتأهبة أصلا للانطلاق ولثمت شفتيها برفق بعدما غطيتهما بإبهامي، قامت هي بفتح أزرار قميصي ووضعت رأسها على صدري ثم طوقتني بذراعيها، لم تنس أن تسألني: -هل كتبت قصيدة جديدة؟ قالت ذلك ثم مدت يدها إلى القاطع الكهربائي وضغطته، لم نغادر الأريكة حتى الصباح وغابت المزهرية لأول مرة منذ زواجنا. | |
|
أيوب مليجي
المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 22/02/2008 العمر : 38 الموقع : www.ayoubmaliji76.jeeran.com
| موضوع: رد: الجاسوسة " قصة" السبت مارس 01, 2008 5:38 pm | |
| صديقي صخر ها آنذا أستمتع بكتاباتك مجددا بعدما استمتعت بها عند لقاءنا لتامعلاض الدولي للكتاب
دمت مبدعا تحياتي | |
|
أيوب مليجي
المساهمات : 30 تاريخ التسجيل : 22/02/2008 العمر : 38 الموقع : www.ayoubmaliji76.jeeran.com
| موضوع: رد: الجاسوسة " قصة" السبت مارس 01, 2008 5:39 pm | |
| - أيوب مليجي كتب:
- صديقي صخر
ها آنذا أستمتع بكتاباتك مجددا بعدما استمتعت بها عند لقاءنا بالمعرض الدولي للكتاب
دمت مبدعا تحياتي | |
|