منتديات نبراس
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات نبراس

منتدى يهتم بعالم الابداع و التربية والتعليم والثقافة و الحوار
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 قبة النهار

اذهب الى الأسفل 
2 مشترك
كاتب الموضوعرسالة
ابراهيم جادالله

ابراهيم جادالله


المساهمات : 8
تاريخ التسجيل : 26/02/2008

قبة النهار Empty
مُساهمةموضوع: قبة النهار   قبة النهار I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2008 10:02 am

قبة النهار


؛ أوراق الشجر الميتة تلم بالجاروف ، وكذلك الذكريات والتحسرات ، لأن إنشادها كان بهدوء وبصوت غير مبحوح أو مغمى عليه ؛؛
من قصيدة الأوراق الميتة لجاك بريفير

****************
نلقاه يوميا لما نعبر المشاية التى تربط ضفتى فرع النهر الكبير ، ومتقافزين على فلنكات شريط القطار الفرنساوى الذى يمر فوقها عاريا كما ولدته أمه . فارع الطول ممتلىء مفتول العضلات ليس بجسده انبعاج أو انحناء أو التواء، لحيته الخشنة تصل ما بين ذقنه وصدره، وشعر الرأس كثيف غامق مجعد ومتسخ ، والجسد العارى تماما حرقته الشمس وغبره العراء .
فى أيام الشتاء والبرد فقط يرمى زكيبة مشقوقة على كتفيه، ولا تتبدل وقفته صيفا أو شتاءا طوال النهار تحت شجرة الزنزلخت المعمرة وموليا وجهه شطر النهر متأملا فى سكينة وشرود صورته الساكنة على سطح الماء الراكد أو المتراقصة حين تجرى المياه ، يده مرتخية بجوار فخذه ، والأخرى مشدودة إلى صدره ولا تتبدل هيئته وكأنه قبة ضريح أو سبيل ماء على الطريق.
سنوات بعيدة بعدت عنها ذكرياتنا مع هذا الرجل الذى كانت تخدش صورته حياءنا كل يوم ، وكانت أسئلتنا الطفولية فى براءتها لا تخرج من الوعاء الصغيرالذى فى رؤوسنا ، وكنا نتطوع جميعا بإجابات مبهمة على أسئلة غير معلنة عن سره ، ونفيض بحكايات يدعى كل منا صدقها، ولا يخلو يوم من الحديث عنه ، برغم أنا لا نملك سندا على قول . بل هى رؤى تموج دواخلنا .. يقول أحدنا : إنه عبقرى زمانه ، لم يحتمل عقله الصغيردفق ذكائه وتوهج عقله ، فانفلت عياره وانقطعت الشعرة الرقيقة الفاصلة بين العقل والجنون ، ويؤكد أنه شر عين من زوجة عمه التى خاب أملها فى أبنائها.
وكنت أميل إلى تفسير سره بأنه كان واحدا من عسكر متمايزين فى الجرأة والبطولة والعقلية العسكرية الناضجة، وأنه كان قائدا لإحدى كتائب المشاة فى حرب الثمانية وأربعين بين العرب واليهود ، وأن كتيبته ذاع صيت بطولات أفرادها ، وأن دانة مدفع لعينة سقطت على خندق مكشوف كان يتجمع به عشرة من رجاله لم ينج سواه، ورأى بأم عينيه الجثث الممزقة وبرك الدم ورائحة اللحم البشرى يحترق ، وأنه خرج من خندقه عاريا كما وبلدته أمه بعد احتراق لباسه العسكرى كاملا، وقد ظل على حالته تلك حتى يومنا .
وكان عامل المزلقان المبتور الذراع حين يستوقفنا حتى يعبر القطار لا يتراجع أبدا عن رأيه فى أن الرجل له زوجة ثرية وأولاد مرموقون ووجهاء فى موطنهم ، وأن زوجته هى سبب مأساته ، لأنه أيقن بخيانتها له مع صديق مقرب ، وأنه رآهما رأى العين بفراشه عاريين ، ، وأنه لم يجد وسيلة تفجر ذهوله سوى أن تعرى مثلهما واندفع مأخوذا مهرولا نحو النهر، ويؤكد مبتور الذراع أن عامل المزلقان الذى سبقه هو من باعد بينه وبين إلقاء نفسه به ، وأنه ظل يرعاه طوال مدة خدمته على المزلقان بأن يؤمن له طعامه كل يوم من الخبز المدور والطعمية. برغم أنه كان رافضا كل من يمد له يدا بطعام أو نقود ، وعند الليل كان يرقد فوق مصطبة أسمنتية ملساء فى حضن المشاية التى يعبر فوقها القطار الفرنساوى المتجه شرقا وغربا.
ويحكى عامل المزلقان المبتور الذراع أن الرجل كان يختفى لمرات عديدة ولأيام لا تطول ، وأن مصادفات تتكرر فى كل مرة كان يختفى بها . بأن يسأل نفر من أهله عنه آتون من جهات بعيدة غير معلومة، وأن سيدة ربيعية العمر والصحة والجمال كانت متشحة بوشاح أسود على شعرها الناعم الطويل ، وأن دموعا كانت تملأ مقلتيها ، وكان الوجه منها محتقن لطول سهر أو آلام مبرحةجاءت تسأل عنه بأسى ،وأنه منذ آخر مرة اختفى فيها وعاد لم يسأل أحد عنه ، وأنه لم يكن مطرقا ساكنا صامتا شامخ الإنتصاب شاردا كعادته بوقفته على ضفة النهر ، بل كان دائم الرواح والمجىء على شريط ساحلى منجل من طرح النهر بجوار المشاية ،يحمل دلوا ممتلئا بالماء ، وآخر بتراب ، يخلطهما لتصير كومة من طين يلوكها تحت قدميه ، ومخلفا تحتها قبضات لدنة متخمرة راح يكورها بين قبضتيه ، ويجمعها متراصة فوق مصطبة الأسمنت الملساء التى يرقد فوقها كل ليلة .
ولما طلع نهار جديد عليه بعد أن عبر قطار الصباح وجده جاثيا على ركبتيه، تستر مؤخرته الزكيبة المعلقة بكتفيه وقد ذوبتها الشمس أمام قبة من الطين فوق مصطبة الأسمنت الملساء بارتفاع نصف قامته ، وبها فوهة مواجهة لضوء نهار ، تسمح بدخول آدمى إليها له نفس حجمه .
ولما ظهر النهار وبان ، وتوضحت معالم الأشياء . دخل إلى القبة صناعة يده ، وجلس بها مقرفصا مطوقا ركبتيه بذراعيه ، ورأسه ساقطة على صدره ، وأنه لم يرفع له رأسا لما حاول أن يقدم له رغيفا محشوا بالطعمية ، وكانت أنفاسه تعلو وتهبط فى رتابة وسكينة ، ولا يسمع معها سوى صوت حكات أصابعه الرفيعة الطويلة فى كثافة ذقنه الخشنة ، ولما عبر قطار ماقبل الغروب . أراد تكرار إدخال طعام إليه كعادته إشفاقا به أو كشفا لغمامة سؤال حائر عن تبدل مباغت وغير مألوف عنه .
وكان ظلام مبكر قد حاول اقتحام القبة وهو على نفس هيئته ، لكن أنفاسه الرتيبة التى كانت تعلو وتهبط . كانت ساكنة تماما ، وذراعاه مرتخيتان فى استسلام غامر بجواره ، وكانت رأسه ماتزال ساقطة فى تجويف بطنه وفخذيه
.
*****************
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
منال الخالدي

منال الخالدي


المساهمات : 68
تاريخ التسجيل : 17/02/2008

قبة النهار Empty
مُساهمةموضوع: رد: قبة النهار   قبة النهار I_icon_minitimeالخميس فبراير 28, 2008 11:50 am

اعترف انك اللغة التي استعملتها بهذا النص بالكاد فهمتها، ارجو الا تكون كل نصوصك صعبة هكذا...

تحياتي
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
قبة النهار
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات نبراس :: قصة-
انتقل الى: