سوسيولوجيا التربية·
تعريف
يمكن اعتبار سوسيولوجيا التربية،بصفة عامة،كفرع من فروع علم الاجتماع الذي يدرس التربية كظاهرة اجتماعية.و تحفل أدبيات سوسيولوجيا التربية بعدة تعاريف نذكرمنها:
- علم اجتماع التربية يدرس العوامل الاجتماعية التي تؤثر في الصيرورة المدرسية للأفراد: تنظيم النسق/الجهاز المدرسي ،ميكانيزمات التوجيه، المستوى السوسيو- ثقافي للآباء،استدماج القيم والمعايير الاجتماعية من طرف المتعلمين،مخرجات النسق التعليمي.(Pédagogie:dictionnaire des mot clés…1997).
- سوسيولوجيا التربية،بصفة عامة، تعتمد المقاربة السوسيولوجية في دراسة الظواهر التربوية،لكنه بالمعنى الأنجلوساكسوني، وهو السائد،تحصر الظواهر التربوية في أنظمة التعليم في المستوى الأول، وتأتي دراسة المؤسسات الأخرى في سلم اعتباري ثانوي،على قدر علاقتها بالمدرسة والتعليم(سلسلة التكوين التربوي،عدد3).
- سوسيولوجيا التربية،أو المقاربة السوسيولوجية للتربية...مفادها تحويل النظريات والقوانين السوسيولوجية على الواقع التربوي والتعليمي،من خلال دراسة وتحليل النماذج التربوية والطرق والتقنيات والأساليب التربوية،والقضايا والمشكلات أو الإشكاليات التي تتكون داخل المؤسسات التعليمية النظامية واللانظامية.وتتم هذه الدراسة السوسيولوجية من خلال عملية تحليل تفاعل العناصر التربوية والتعليمية داخل نسقها الاجتماعي؛ وفي إطار نظرية شمولية ماكروسكوبية، تدرك مختلف العلاقات القائمة في عملية التفاعل بين مكونات البنية أو النسق التي توجد ضمنه الظاهرة التربوية(عبد الكريم غريب،2000،بتصرف).
- هي مقاربة للظاهرة التربوية مقاربة سوسيولوجية تعتمد على القواعد المنهجية للسوسيولوجيا في دراسة وتحليل الظروف والملابسات الاجتماعية المحيطة أو المؤطرة للموقف التربوي(سلسلة التكوين التربوي،عدد1، طبعة97-98)
مجالات سوسيولوجيا التربية:
هناك عدة مجالات تشتغل حولها سوسيولوجيا التربية،وهي مجالات متنوعة ومتزايدة باستمرار،مما يجعل مسألة تحديدها بدقة وشمولية أمرا صعبا.لذا نكتفي بهذا التحديد لأهم مجالاتها:
1- مجال المدخلات (les entrées) ونجد فيه:
- التلاميذ: وتنصب الدراسة هنا حول العوامل الفزيقية والنفسية والعقلية والاجتماعية، كالسن والجنس ومستوى الذكاء والمنشأ الاجتماعي والثقافة...حيث يتعلق الأمر بسيكولوجية التلميذ وبسوسيولوجيا التلميذ(مقاربة سيكو- سوسيولوجية)
- هيأة التدريس والإدارة: يتم التركيز هنا على المتغيرات المهنية والسياسية، كمستوى التكوين،ونمط الاختيار، والتموقع في البنية الاجتماعية، والتوجهات السياسية والنقابية...
2- مجال المخرجات( les sorties) ويرتبط بتلقين النظام الأخلاقي والمعارف، وبنمط البيداغوجيا وقواعد التقييم...
- تلقين النظام الأخلاقي والمعارف: هرمية المعارف،تقسيمها الأفقي(علوم أو آداب،علوم صرفة او علوم تطبيقية)،القواعد الصريحة او الضمنية التي تتحكم في النظام الأخلاقي(القيمي) وفي المعارف، عواقب هذه الهرمية على مستوى تشكيل الهوية المدرسية للمتعلمين.
- نمط البيداغوجيا: يهتم هنا بالكيفية التي تلقن بها المحتويات، وبتكنولوجيات التعليم( الوسائط الديداكتيكية) وباستعمال الزمن الذي يعكس في جزء منه الأهمية الاجتماعية للمواد الدراسية،وبطبيعة العلاقات بين المعلم والمتعلمين،وببنية السلطة داخل القسم..
- التقويم: ويرتبط بالقواعد الظاهرة أو الكامنة المهتمة باصطفاء وانتقاء الأفراد.
وهناك مجالات أخرى اهتمت بها سوسيولوجيا التربوية، كدراسة الأنظمة التعليمية وتحليلها،التنظيم المدرسي وعلاقته بسوق العمل، البحث في الأصل الاجتماعي للتلاميذ وعلاقته بالتحصيل والنجاح المدرسيين، الفشل المدرسي، المساواة و تكافؤ الفرص والفشل التربوي،الديمقراطية والتعليم...
وكمثال، نجد أن بعض المواضيع السوسيوتربوية التي اهتم بها في فرنسا تتمثل في: المردود المدرسي في علاقته بالامتيازات الثقافية، العوائق السوسيواقتصادية والثقافية عند الطفل/ المتعلم، تأثير البيئة الحياتية على لغة التلاميذ،التناغم والتنافر بين الانظمة التربوية والحاجات الاجتماعية- الاقتصادية للجماعة، المنبت/الأصل الاجتماعي للطلاب والارتقاء الجامعي،الطبقات الاجتماعية والبنى الفكرية لجمهور المدرسة، دمقرطة التعليم والتفاوت بين الأقاليم،انعكاسات الوقائع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية على بنى التعليم وعلى المناهج والطرائق وإعداد المعلمين.(سلسلة التكوين التربوي،عدد3، 2001 )
· المقاربات والتيارات السوسيوتربوية:
يعرف حقل سوسيولوجيا التربية مقاربات متعددة للظاهر التربوية في بعدها الاجتماعي،و منها يمكننا التعرف على المقاربات التالية:
1- المقاربة الوظيفية:
تنظر الوظيفية إلى المجتمع باعتباره" نسقا اجتماعيا واحدا،كل عنصر فيه يؤدي وظيفة محددة" وتؤكد كذلك على"ضرورة تكامل الأجزاء في إطار الكل". وعليه،ترى الوظيفية المجتمع باعتباره نسقا اجتماعيا متكاملا،يقوم كل عنصر من عناصره بوظيفة معينة للحفظ على اتزان النسق واستقراره،وتوازن المجتمع واستمراره،ومعالجة الخلل دون المساس بالنظام الاجتماعي القائم،من خلال الاتفاق على معايير التنظيم الاجتماعي،التي يجب الخضوع لها،والاشتراك في قيم الحياة الاجتماعية،التي يجب الالتزام بها من أجل صيانة المجتمع،وترسيخ استقراره واستمراره(عادل السكري،1999). لذلك هناك من صنف المدرسة الوظيفية ضمن الاتجاهات الإيديولوجية المحافظة.
وتحت تأثير الوظيفية، تم الاهتمام بدراسة العلاقات المتبادلة بين المجتمع كبناء، والتربية كنظام، والمدرسة كمؤسسة اجتماعية ترتبط بالمؤسسات الاجتماعية الأخرى، وتتفاعل معها في تحديد وظائفها،وتحقيق أهدافها.وعليه،تم التركيز على العلاقة بين المجتمع والتربية والتعليم والاقتصاد،من أجل تكييف عناصر النظام الاجتماعي ووظائفه، حتى يستمر في البقاء والعمل في انتظام؛فتم الربط بين التربية والبيئة الاجتماعية،من خلال انتقاء وتوزيع وتدريب وإعداد قوى العمل اللازمة لسوق العمل؛وينصب الاهتمام، كذلك، على رصد كل أنواع الخلل التي تعوق نظام التعليم عن تأدية وظيفته في تدريب الأفراد، وتصنيفهم وتشكيلهم في مكانتهم الاجتماعية،التي يستحقونها طبقا لقدراتهم العقلية وإنجازاتهم الدراسية. وانطلاقا من المقاربة الوظيفية، تم الاهتمام بمعالجة الخلل في النظام التعليمي من خلال التركيز على دراسة نظام التعليم ذاته، او في علاقته بالنظم الفرعية الأخرى في المجتمع دون أن تشير إلى الخلل القائم في النظام الاجتماعي العام( عادل السكري،1999).
كما نجد أن بعض الدراسات صنفت المقاربات الوظيفية إلى مقاربة وظيفية كلاسيكية ومقاربة وظيفية تكنولوجية؛ حيث قامت المقاربة الوظيفية الكلاسيكية على فكرة الفروق الفردية الوراثية،التي تجعل الفرد يولد ولديه مقدار شبه تابت من الكفاءة والذكاء،لذلك حينما تقوم التربية المدرسية بوظيفة الاصطفاء والترتيب الهرمي للتلاميذ حسب إنجازاتهم و تهيئهم لأخذ مراكز اجتماعية متفاوتة،فإن هذه المقاربة تعتبر ذلك أمرا طبيعيا وعاديا، لأن التربية المدرسية تؤلف عن طريق التنشئة الاجتماعية، التي تساعد الفرد على استضمار قيم ومعايير المجتمع ككل، وتفرق عن طريق الاصطفاء،لأنها تعمل على تطوير الكفاءات والانجازات الفردية،شريطة أن تكون معايير الاصطفاء موضوعية فقط. وقد تميزت فترة ظهور الوظيفية التكنولوجية(1950-1960) بوجود حاجيات جديدة لليد العاملة المؤهلة في المجتمع الصناعي الغربي، الذي بدأ يعرف تقدما تكنولوجيا سريعا ونموا اقتصاديا كبيرا. وقد تقاطعت الوظيفية التكنولوجية مع نظرية الرأسمال الإنساني في كون التربية استثمار منتج على المستوى الفردي والاجتماعي،لذلك يجب استثمار كفاءات الفرد إلى أقصى حد،وفق ماتسمح به قدرات وحاجيات المجتمع، لكي لاتهدر الموارد البشرية الثمينة. وقد سادت في هذه الفترة، كذلك، قناعتان أساسيتان: الأولى سياسية، تقول بان الانفجار والانتشار الكبير للتربية هو أحسن وسيلة لدولة تريد أن تكون ديمقراطية لكي تحد وتقلل من التمايزات الصارخة، والفروقات السوسيواقتصادية؛والثانية اقتصادية، ترى أن التربية تساهم في التنمية الاقتصادية وذلك بتأهيل اليد العاملة وإعداد الأطر الملائمة (نظرية الرأسمال الإنساني)(سلسلة التكوين التربوي،عدد3).
2- المقاربة النقدية(الراديكالية والصراعية)
تضم هذه المدرسة مختلف التيارات النقدية الراديكالية(في مقابل المحافظة) التي عملت على نقد الواقع والمعارف الاجتماعية القائمة، من أجل مجتمع أكثر عدلا ورقيا، ومن اجل محاربة الاستلاب الإيديولوجي والمعرفي. وكرائدة لهذا التيار،اشتهرت مدرسة فرانكفورت،وهي تضم مجموعة من المثقفين اليساريين ذوي النزعة الماركسية الجديدة،وبدأت نشاطها في أوائل الثلاثينيات من القرن 20،" كنظرية نقدية للمجتمع"،بحيث عمل أعضاؤها على الاهتمام بفحص أشكال الحياة الاجتماعية ونقدها،والبحث في أصولها وجذورها،والمصالح التي تعبر عنها،والمعارف التي ترتبط بها، والمشكلات التي تنشأ فيها، والأزمات التي تعاني منها.كما حرصوا على كشف ماهو فاسد في الواقع السائد، والعمل على تغييره، ورفض القيم التقليدية البالية والمعايير الاجتماعية الجامدة، والسعي إلى تجاوزها واستبدالها بقيم ومعايير أخرى أصلح للتغيير. وكانت الرسالة الأساسية لمدرسة فرانكفورت هي مواجهة كافة التنظيرات التي تنكر أو تغفل ذاتية الإنسان ووعيه وفعاليته.
كما نجد بأن هناك من صنف هذه التيارات النقدية في فئة المقاربات الصراعية، التي تعتقد بان المدرسة لا تنتقي من هو أكثر قدرة وإنتاجية وذكاء، وإنما من هو أكثر مطابقة ومسايرة لتمثلات وتوقعات الفئة التي تمتلك سلطة وضبط النظام التعليمي،للمحافظة او الزيادة في امتيازاتها وسلطتها داخل المجتمع.(سلسلة التكوين التربوي، عدد3). وعليه فإن المدرسة تستعمل كأداة للصراع الطبقي والسياسي والاجتماعي،وقد عمل أصحاب التيار النقدي أو الصراعي على تحليل وتوضيح هذا الصراع وآلياته السوسيوتربوية.
وقد تم توجيه الاهتمام من خلال النظريات التربوية النقدية نحو ربط المعرفة التربوية بالمصالح الاجتماعية والسياسية والاقتصادية،وأن المعرفة التي تقدم للمتعلمين بالمدارس إما أن تكون معرفة تبريرية،تسعى للدفاع عن مصالح معينة،وتبرير أوضاع سياسية محددة،أو معرفة تحريرية تكشف الأوضاع الفاسدة والأفكار الزائفة،وتحرير الإنسان من القهر التربوي والسياسي، والاستغلال الاجتماعي عامة. كما تم طرح الأسئلة حول إنتاج المعرفة وشرعيتها وتوزيعها وتقويمها داخل المدرسة،ونوع المصالح التي تدافع عنها، والفئات التي ترتبط بها خارج المدرسة،وشكل العلاقات والمبادئ التي تأكدها،والسياسات التي تحكمها، والمؤسسات التي تتحكم فيها في إطار ثقافة ومجتمع معيين.(انظر أطروحات بعض ممثلي هذا التيار، ك "كارنوي" و بورديو وبرنستين...في موضوع:سوسيولوجيا المعرفة التربوية ، في هذا العدد)
3-المقاربات ذات النموذج المفسر
عكس المقاربات النقدية والصراعية التي اهتمت بما يجري داخل النظام المدرسي التربوي والمدرسي من عمليات إعادة الإنتاج والتحكم السلطوي والإيديولجي في الطبقات الاجتماعية، فإن أصحاب هذه المقاربة ذات النموذج التفسيري، اهتموا فقط بدراسة المنظومة التربوية من الخارج، من خلال دراسة التأثيرات المدرسية التعليمية،معتمدين على ترسانة من الإجراءات الإحصائية والوصفية والاستدلالية، محاولين بالأرقام والإحصائيات تبيان محدودية علاقة المدرسة بالحراك الاجتماعي.
وهناك عدة أطروحات التي اعتمدت نموذجا معينا للتفسير، كالنموذج الإحصائي لجينكس، والنوذج النسقي لسوروكن،والنموذج النسقي-التركيبي لبودون Booudon،الذي سنحاول التطرق إليه لأهميته وشموليته.
ينطلق بودون من مبدإ مفاده أن مشكلة الحراك الاجتماعي أو عدم تكافؤ الفرص،هي نتيجة لمجموعة من المحددات التي لايمكن تصورها منعزلة بعضها عن البعض، وإنما يجب التعامل معها كمجموعة تشكل نسقا.وانطلاقا من معطيات أمبريقية إحصائية،حاول بودون تقديم نموذج نسقي تفسيري لمسارت التمدرس والتراتبية الاجتماعية في المجتمع الصناعي الليبرالي،انطلاقا من متغيرات المنشأ العائلي ومستوى الدراسة والوضع الاجتماعي...وقدم نموذج بودون تفسيرا إجماليا نسقيا لعدد من الظواهر الإحصائية(كمنافذ الشغل والدراسة والمواقع) والمعطيات السوسيولوجية(المرتبطة أساسا بالإواليات المولدة لعدم المساواة).وكأمثلة لبعض النتائج التي توصل إليها بودون: في مجتمع تراتبي يستعمل نظاما متنوعا وهرميا من الكفاءات،فإن الدمقرطة تعرف بالضرورة حدودا لايمكن تجاوزها؛عدم تكافؤ الفرص ينجم بالضرورة عن التقاء نسقين:نسق المواقع الاجتماعية ونسق المسارات الدراسية،حيث نظام اجتماعي تراتبي ونظام تربوي هرمي لا يمكن إلا أن ينتج عنهما لا مساواة وعدم تكافؤ الفرص؛الحراك الاجتماعي يتأثر كثيرا بالتركيب بين بنية الهيمنة وبنية الجدارة والاستحقاق،إذ أن بنية الجدارة والاستحقاق تعني أن مستوى الدراسة هو الذي يحدد الموقع الاجتماعي للأفراد،أما بنية الهيمنة فهي على عكس بنية الاستحقاق، تقلل أو تضعف من فعل الجدارة أو الاستحقاقات،لأنها نابعة من كفاءات الأفراد ذوي المنشأ الاجتماعي المرتفع، حيث يهيمنون على أحسن المواقع، وهكذا يكون الأفراد الذين لهم نفس المستوى الدراسي(نفس الشهادات الدراسية) يحصلون على موقع اجتماعي مرتفع بقدر ما يكون مستواهم(موقعهم)الاجتماعي مرتفعا.(سلسلة التكوين التربوي،عدد5. 5،2001، بتصرف)
4-المقاربة التفاعلية الرمزية
تعتبرُ التفاعلية الرمزية واحدةٌ من المحاور الأساسيةِ التي تعتمدُ عليها النظرية الاجتماعية، في تحليل الأنساق الاجتماعية.
وهي تبدأ بمستوى الوحدات الصغرى (MICRO)، منطلقةً منها لفهم الوحدات الكبرى، بمعنى أنها تبدأُ بالأفراد وسلوكهم كمدخل لفهم النسق الاجتماعي. فأفعالُ الأفراد تصبح ثابتةً لتشكل بنية من الأدوار؛ ويمكن النظر إلى هذه الأدوار من حيث توقعات البشر بعضهم تجاه بعض من حيث المعاني والرموز. وهنا يصبح التركيز إما على بُنى الأدوار والأنساق الاجتماعية، أو على سلوك الدور والفعل الاجتماعي.
ومع أنها تَرى البُنى الاجتماعية ضمناً، باعتبارها بنى للأدوار بنفس طريقة بارسونز Parsons ، إلا أنها لا تُشغل نفسها بالتحليل على مستوى الأنساق، بقدر اهتمامها بالتفاعل الرمزي المتشكِّل عبر اللغة، والمعاني، والصورِ الذهنيةِ، استناداً إلى حقيقةٍ مهمةٍ، هي أن على الفرد أن يستوعب أدوارَ الآخرين.
إن أصحابَ النظريةِ التفاعلية يبدَءُون بدراستهم للنظام التعليمي من الفصل الدراسي (مكانَ حدوثِ الفعلِ الاجتماعي). فالعلاقةُ في الفصل الدراسي والتلاميذِ والمعلم، هي علاقةٌ حاسمةٌ؛ لأنه يمكن التفاوضُ حول الحقيقة داخل الصفّ، إذ يُدرك التلاميذ حقيقةَ كونهم ماهرين أو أغبياءَ أو كسالى. وفي ضوء هذه المقولات يتفاعل التلاميذ والمدرسون بعضهم مع بعض، حيث يحققون في النهاية نجاحاً أو فشلاً تعليمياً.
ومن ممثلي النظريةِ التفاعليةِ الرمزية:
* جورج هربرت ميد George H. Mead (1863-1931):
قام ميد بتحليل عمليةِ الاتصال، وتصنيفها إلى صنفين: الاتصالُ الرّمزي، والاتصال غير الرمزي. فبالنسبة للاتصال الرمزي فإنه يؤكّد بوضوحٍ على استخدام الأفكار والمفاهيم، وبذلك تكون اللغةُ ذاتَ أهميةٍ بالنسبة لعملية الاتصال بين الناس في المواقفِ المختلفة، وعليه فإن النظام الاجتماعي هو نتاجُ الأفعال التي يصنعُها أفراد المجتمع، ويُشير ذلك إلى أن المعنى ليس مفروضاً عليهم، وإنما هو موضوعٌ خاضع للتفاوض والتداولِ بين الأفراد.
* هربرت بلومر H. Blumer (1900-1986):
وهو يتفق مع جورج ميد في أن التفاعل الرمزيَّ هو السمةُ المميزةُ للتفاعل البشري، وأن تلك السمةَ الخاصةَ تنطوي على ترجمةِ رموزِ وأحداثِ الأفراد وأفعالهم المتبادلة. وقد أوجَزَ فرضياتِه في النقاطِ التالية:
• إن البشرَ يتصرفون حيالَ الأشياءِ على أساسِ ما تعنيهِ تلك الأشياءُ بالنسبة إليهم.
• هذه المعاني هي نتاجٌ للتفاعل الاجتماعي الإنساني.
• هذه المعاني تحوَّرُ وتعدّل، ويتم تداولُها عبر عملياتِ تأويلٍ يستخدمُها كلُّ فردٍ في تعامله مع الإشاراتِ التي يواجهُها.
* إرفنج جوفمان ErvingGoffman (1922-1982):
وقد وجَّهَ اهتمامَهُ لتطوير مدخلِ التفاعلية الرمزية لتحليلِ الأنساق الاجتماعية، مؤكداً على أن التفاعلَ – وخاصةً النمطَ المعياريَّ والأخلاقيَّ- ما هو إلا الانطباع الذهنيُّ الإرادي الذي يتم في نطاق المواجهة، كما أن المعلوماتِ تسهم في تعريف الموقف، وتوضيحِ توقعات الدَور.
مصطلحاتُ النظريّة التفاعلية الرمزية:
- التفاعل: وهو سلسةٌ متبادلةٌ ومستمرةٌ من الاتصالات بين فرد وفرد، أو فرد مع جماعة، أو جماعةٍ مع جماعة.
- المرونة: ويقصد بها استطاعةُ الإنسان أن يتصرفَ في مجموعةِ ظروفٍ بطريقة واحدة في وقت واحد، وبطريقةٍ مختلفة في وقتٍ آخرَ، وبطريقةٍ متباينة في فرصةٍ ثالثة.
- الرموز: وهي مجموعةٌ من الإشارات المصطَنعة، يستخدمها الناسُ فيما بينهم لتسهيل عمليةِ التواصل، وهي سمة خاصة في الإنسان. وتشملُ عند جورج ميد اللغةَ، وعند بلومر المعاني، وعند جوفمان الانطباعاتِ والصور الذهنية.
- الوعيُ الذاتي Self- Consciousness: وهو مقدرةُ الإنسان على تمثّل الدور، فالتوقعات التي تكُون لدى الآخرين عن سلوكنا في ظروف معينة، هي بمثابة نصوصٍ يجب أن نَعيها حتى نُمثلَها، على حدّ تعبير جوفمان.(د.محمد عوض الترتوري،عن:almualem.net)
6- المقاربة السوسيوبنائية
المقاربة السوسيوبنائية، تنطلق من ثلاثة أبعاد أساسية:
- البعد البنائي لسيرورة تملك المعارف وبنائها من قبل الذات العارفة.
- البعد التفاعلي لهذه السيرورة نفسها،حيث الذات تتفاعل مع موضوع معارفها، والمراد تعلمها.
- البعد الاجتماعي(السوسيولوجي) للمعارف والتعلمات حيث تتم في السياق المدرسي، وتتعلق بمعارف مرموزة من قبل جماعة اجتماعية معينة.وعليه فإن المقاربة السوسيوبنائية هي مقربة بنائية تفاعلية اجتماعية(فليب جونير، ترجمة الحسين سحبان،2005). وسنتطرق بنوع من التفصيل لهذه المقاربة في موضوع سوسيولوجيا المعرفة التربوية.
* إعداد: محمد الصدوقي
- منشور بالعدد الاول من سلسلة"تربويات"2007.
.................................................. ............................
* مراجع:
- Pédagogie:dictionnaire des concepts clés…Françoise Raynal et Alain Rieunier,1997 ,ESFéditeur,Paris.
- عبد الكريم غريب، سوسيولوجيا التربية، منشورات عالم التربية،الطبعة الأولى، 2000.
- سلسلة التكوين التربوي،عدد1 ، مطبعة النجاح الجديدة ،1997-1998.
- سلسلة التكوين التربوي،عدد،3، مطبعة النجاح الجديدة، 2001.
- د. عادل السكري، نظرية المعرفة من سماء الفلسفة إلى أرض المدرسة، الدار المصرية اللبنانية، الطبعة الأولى،1999.
- سلسلة التكوين التربوي،عدد5،مطبعة النجاح الجديدة،2001.
- فليب جونير، الكفايات والسوسيوبنائية..إطار نظري، ترجمة الحسين سحبان،مطبعة النجاح الجديدة،الطبعة الأولى 2005.